لما أراد وفد الأنصار الرجوع إلى المدينة بعث معهم رسول الله ﷺ مصعب بن عُمير رضي الله عنه ليُفقِّه الأنصار في الدين .
و أسلم على يَد مُصعب رضي الله عنه سيدا بني عبدالأشهل سعد بن مُعاذ ، وأُسيد بن حُضير رضي الله عنهما .
وأقام مصعب في دار أسعد بن زُرارة يدعو إلى الإسلام حتى لم تَبق دار من دور الأنصار إلا ودخلها الإسلام.
وفي العام ١٣ للبعثة خرج ٧٣ رجلاً وامرأتان من الأنصار لملاقاة النبي ﷺ في موسم الحج لإبرام أعظم اتفاق في تاريخ الإسلام .
اقرأ أيضا :السيرة النبوية الشريفة : سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (الحلقة التاسعة )
وجرت إتصالات سرية بين النبي ﷺ وبين ٧٣ رجلاً من الأنصار على أن يجتمعوا في أواسط أيام التشريق في الشعب الذي عند العقبة .
وفي الليلة الموعودة اجتمع النبي ﷺ مع ٧٣ رجلا والمرأتين من الأنصار لإبرام البيعة الكُبرى التي عُرفت ببيعة العقبة الثانية .
وكانت بنود البيعة: السمع والطاعة للنبي ﷺ في العسر واليسر ، وحمايته ونصرته إذا قدم عليهم المدينة .
فقالوا للنبي ﷺ : وما لنا إن نحن وَفَّينا بالبيعة ؟ قال ﷺ : لكم الجنة، فوافقوا بالإجماع .
أول من بايع النبي ﷺ هو :البراء بن معرور رضي الله عنه ، ثم تتابع الناس وهم رُؤوس الأنصار .
من أوهام ابن إسحاق في السيرة أن رسول الله ﷺ بايع الأنصار في هذه البيعة على الجهاد ، وهذا من أوهامه على جلالة قدره .
وتابع ابن هشام ابن إسحاق على ذلك ، وهذا من أوهامهما رحمهما الله ، فإن الجهاد لم يفرض إلا في السنة الأولى للهجرة .
و هكذا تمت هذه البيعة العظيمة بيعة العقبة الثانية ، والتي كانت سبباً في الهجرة إلى المدينة لبناء الدولة الإسلامية .
وقال كعب بن مالك :” لقد شهدت مع النبي ﷺ ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ، وما أُحب أن لي بها مَشهد بدر .
و لما رجع الأنصار إلى المدينة بعد بيعة العقبة الثانية طابت نفس رسول الله ﷺ ، وقد جعل الله له مَنعة وقوماً وهم الأنصار .
أمر رسول الله ﷺ أصحابة بالهجرة إلى المدينة ، واللحوق بإخوانهم من الأنصار .
قال رسول الله ﷺ :” أُمرتُ بقرية تأكل القُرىٰ يقولون يثرب وهي المدينة ، تَنفِي الناس كما يَنفي الكيرُ خبث الحديد “.
و خرج الصحابة رضي الله عنهم أرسالاً – أي جماعات – مُتخفِّين ، مُشاة ورُكباناً ، وأقام هو ينتظر الإذن له من الله بالهجرة.
و قال البراء بن عازب : أول من قدم علينا من أصحاب النبي ﷺ مُصعب بن عُمير وابن أم مكتوم ، ثم جاء عَمَّار ، وبلال ، وسعد .
لم تكن هجرة الصحابة سهلة هَيِّنة ، بل كانت صعبة بحيث كانت قريش تضع كل العراقيل للحيلولة عن هجرة الصحابة .
وهاجر أبوسلمة بن عبدالأسد ، وعامر بن ربيعة ومعه زوجته ليلى بنت أبي حثمة ، وهاجر ابن جحش .
وهاجر عمر بن الخطاب ليلا مُتخفياً مع عَيَّاش بن أبي ربيعة ، وهشام بن العاص أخرج ذلك ابن اسحاق في السيرة بإسناد صحيح.
وأما قصة هجرة عمر بن الخطاب علانية ، وقوله : من أراد أن تثكله أمه أو يُيَتَّم ولده …إلخ . فهي رواية ضعيفة لا تثبت .
المشاركات
