أمهات المؤمنين ...السيدة أم سلمة رضي الله عنها (الجزء الثالث )

أمهات المؤمنين ...السيدة أم سلمة رضي الله عنها (الجزء الثالث )


عاشت السيدة أم سلمة رضي الله عنها في بيت النبوة ،تنهل وتتعلم من النبي صلى الله عليه وسلم ،

وكانت- رضي الله عنها- من النساء العاقلات الناضجات ، يشهد لهذا ما حدث يوم الحديبية ، بعد كتابة الصلح ، فقد أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة في ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة واصطحب معه أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها ، وخرج معه عدد من الصحابة رضوان الله علبهم بلغ عددهم قريب من ألف وأربعمائة ، ولما بلغ الخبر قريش خرجت لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأقمست ألا يدخل بلدهم مسلم

وبدأت المفاوضات بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش ،والمسلمون ينتظرون أن تفتح لهم أبواب مكة فيطوفوا ويسعوا ،ووضع صلح الحديبية ووافق علي النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يبق إلا أن يسجل في وثيقة يمضيها الفريقان ، إلا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليهم أمر وحزن عظيم حين بلغهم شروط الصلح ظنا منهم أنه بخس المسلمون حقهم

وكان الصلح فيه : وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض ،على أنه من آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش بغير أذن وليه رده عليهم ، ومن جاء قريش من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه عليه ،وأن يرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عامهم هذا فلا يدخلوا مكة على أن يعودوا إليها للعمرة في العام المقبل

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتحلل من نسكهم ، وحثّهم على النحر ثم الحلق ، فشقّ ذلك على الصحابة الكرام ، ولم يفعلوا ، حتى قالها النبى صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات
فلم يقم من المسلمين أحد

فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة رضي الله عنها مغضباً ، فذكر لها ما كان من أمر المسلمين وإعراضهم عن أمره ، وكانت رضي الله عنها عاقلة حسنة الرأي والفهم ، ففطنت إلى سبب إعراضهم وعدم امتثالهم ، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله أتحب أن يمتثلوا لأمرك ؟ اخرج فلا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنتك وتدعو حالقك فيحلقك ، فقام وخرج ، ولم يكلم أحداً حتى نحر بدنته ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأى الناس ذلك قاموا مسرعيت فنحروا هديهم وجعل بعضهم يحلق بعضاً
الإمام أحمد

وثاب المسلمون إلى عقولهم ببركة رأي السيدة أم سلمة رضي الله عنها ،قال الإمام ابن حجر : " وإشارتها على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية تدل على وفور عقلها وصواب رأيها "

وكانت السيدة أم سلمة رضي الله عنها ذات شخصية قوية متميزة ورأى صائب جريء ودور قيادي وسط أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ، وكان لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يذهب الله عز وجل عنها الغيرة أثرة على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكن يتحاكمن إليها لعلمهن ببراءتها من الغيرة .

صحبت السيدة أم سلمه رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر وشهدت غزوة الطائف وخرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة ، وجاء أخوها عبد الله بن أبي أمية يتلمس الدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلن إسلامه أمامه وذلك قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا ، فكلمت أم سلمه رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه واستشفعت له فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدخول عليه فأسلم .

وفي يوم من الأيام كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم أعرابيٌ فقال: ألا تُنْجِزْ لي ما وعدتني ؟ فقال له: " أبشرْ "
فقال: قد أكثرتَ عليَّ من أبشرْ ، فأقبلَ على أبي موسى وبلالٍ كهيئةِ الغضبانِ ، فقال:
" رَدَّ البُشْرى ، فاقْبَلا أنتما " قالا : قَبِلْنا ، ثم دعا بقَدَحٍ فيه ماءٌ ، فغسل يدَيْه ووجهَه فيه ومجَّ فيه ، ثم قال: "اشْرَبا منه ، وأفْرِغا على وجوهِكما ونُحورِكما وأبْشِرا "
فأخذا القَدَحَ ففعلا ، فنادت أُمُّ سلمةَ رضي الله عنها من وراءِ ستارٍ: أن أفْضِلا لأُمِّكُما ، فأفْضَلا لها منه طائفةً.           البخاري

كانت السيدة أم سلمه رضي الله عنها من أشرف النساء نسبًا ولدت في بيت يضرب به المثل في الكرم وعندما أكرمها الله عز وجل بالانتساب إلى بيت النبوة وجدت أن النبي صلى الله عليه وسلم ينفق إنفاق من لا يخشى الفقر ، ولقد سألت أم سلمه رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل لي أجر في بني سلمه أنفق عليهم ولست بتاركتهم هكذا فإنما هم بني ؟
فقال لها رسول الله : "نعم لك أجر فيما أنفقت "

وقد جلست إليها جاريتها ذات يوم فأتت نساء فقيرات يسألنها الصدقة ولم يكن لديها شيء فقالت لهن الجارية : اخرجن.. اخرجن ، فقالت أم سلمة رضي الله عنها : ما بهذا أمرنا يا جارية ردي كل واحدة ولو بتمرة تضعينها في يدها

و لما أنزل الله توبة أبو لبابة رضي الله عنه على رسوله صلى الله عليه وسلم ،من آخر الليل وهو في بيت أم سلمة رضي الله عنها ، فجعل يبتسم فسألته أم سلمة رضي الله عنها فأخبرها بتوبة الله على أبي لبابة ،فاستأذنته أن تبشره فأذن لها فخرجت فبشرته فثار الناس اليه يبشرونه وأرادوا أن يحلوه من رباطه فقال والله لا يحلني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى صلاة الفجر حله من رباطه رضي الله عنه وأرضاه

وعن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اشترتني أم سلمة رضي الله عنها وأعتقتني واشترطت علي ان أخدم النبي صلى الله عليه وسلم ما عشت، فقلت: أنا ما أحب أن أفارق النبي صلى الله عليه وسلم ما عشت.
اقرأ أيضا :أمهات المؤمنين ...السيدة أم سلمة رضي الله عنها (الجزء الثانى )
وروى البخاري في صحيحة أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة رضي الله عنها، فاجتمع أزواجه صلى الله علبه وسلم إلى أم سلمة رضي الله عنها وقلن لها : قولى له يأمر الناس أن يهدوا له حيث كان ، فقالت أم سلمة رضي الله عنها فلما دخل على قلت له ذلك فأعرض عنى ، ثم قلن لها ذلك فقالت له فأعرض عنها ، ثم لما دار إليها قالت له فقال : " يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فانه والله ما نزل علي الوحي في بيت وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها"

ولقد شهدت السبدة أم سلمة رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوادع سنة عشرة من الهجرة ، ولكنها مرضت وشكت وجعًا فلم تستطيع الخروج والطواف بالبيت الحرام فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا اقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك من وراء الناس وأنت راكبة" .
ففعلت أم سلمه رضي الله عنها ذلك وكان هذا بابًا للتوسعة رخص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لغير القادرين أن يحملوا في الطواف ومن باب أولى في السعي بين الصفا والمروة .
كما رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمه رضي الله عهنما في رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس ليلة النحر ثم مضت فأفاضت إلى منى ، ثم لم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع إلا قليلًا حتى توفاه الله عز وجل فأصيب المسلمون بمصيبة قالت عنها أم سلمه رضي الله عنها : "فيالها من مصيبة ما أصبنا بعدها بمصيبة إلا هانت إذا ذكرنا مصيبتنا به صلى الله عليه وسلم "

عاشت السيدة أم سلمه رضي الله عنها في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمًا للمؤمنين تتعلم وتنهل من معين النبوة وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تعد من فقهاء الصحابيات تروي احاديث النبي صلى الله عليه وسلم واخباره وعباداته وبلغ ماروته من أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة وثمانية وسبعين حديثًا

وقد أخذت أم سلمة حظّاً وافراً من أنوار النبوّة وعلومها ، حتى غدت ممن يُشار إليها بالبنان فقها وعلماً ، بل كان الصحابة يفدون إليها ويستفتونها في العديد من المسائل ، ويحتكمون إليها عند الاختلاف ، ومن ذلك أن أبا هريرة وبن عباس رضي الله عنهما ، اختلفا في عدة المتوفى عنها زوجها إذا وضعت حملها ، فقال أبو هريرة رضي الله عنه : لها أن تتزوج ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : بل تعتدّ أبعد الأجلين ، فبعثوا إلى أم سلمة رضي الله عنها فقضت بصحّة رأي أبي هريرة رضي الله عنهم.
ولما عزمت السيدة عائشة رضي الله عنها على الخروج إلى وقعة الجمل أرسلت إليها ناصحة تطلب منها لزوم بيتها، ومما قالته لها: لو قيل لي يا أم سلمة ادخلي الجنة لاستحييت أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتكة حجاباً ضربه علي، فاجعليه سترك وقاعة بيتك حصنك.
وفي عام تسع وخمسين للهجرة فاضت روحها الطاهرة إلى بارئها ،وكانت قد بلغت الرابعة والثمانين من العمر ، ولقد آثر فيها استشهاد الحسين بن على رضي الله عنهما .،فلما بلغها الخبر وجمت لذلك وغشي عليها ،وحزنت عليه حزنا شديدا ، ولم تلبث بعده إلا يسيرا حتى انتقلت إلى جوار ربها ،وصلى عليها الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه ،وكانت آخر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم موتا ، وشيع المسلمون جثمانها الطاهر إلى البقيع ليدفن مع بقية أمهات المؤمنين رضي
الله عنهن جميعا

شارك برأيك

مرحبا بالاصدقاء الاعزاء
يسعدنى زيارتكم وارجو التواصل دائما
Hello dear "friends
I am glad your visit and I hope always to communicate

TvQuran
,