في مثل هذا اليوم ،03/ 1260/09، اليوم الخامس والعشرين من رمضان من سنة 658 جرت معركة عظيمة فاصلة في تاريخ البشرية بين المسلمين والتتار، وكان فيها النصر حليفا للمسلمين .
فقد خرج التتار في أوائل القرن السابع الهجري كالجراد المنتشر يكتسحون كل ما أمامهم، وقتلوا الملايين من المسلمين في بلاد ما وراء النهر فيما يعرف اليوم بالجمهوريات الإسلامية التركستانية وخربوا عواصم تلك الديار مثل سمرقند وبخارى، واتجهوا صوب خراسان وأوسعوا أهلها قتلا والديار تخريبا، وكانت مدة تغلبهم على البلاد بقدر مرورهم فيها.
وأقبل التتار على بغداد وقتلوا من أهلها مليونين ، وغرقوا مئات الآلاف من الكتب في نهر دجلة حتى صار أسود من المداد، ثم اتجهوا صوب حلب فأحرقوها، وإلى دمشق فأخذوها، ولم يبق أمامهم قوة معتبرة إلا قوة المصريين فأرسلوا إلى مصر رسلاً أربعة يحذرون وينذرون، وكانت مصر محكومة من قبل المماليك وأول سلاطينهم المظفر قطز، فماذا صنع قطز لما جاءه الرسل الأربعة، لقد صنع شيئاً غريباً خارجاً على العرف والمألوف، فقد أمر بضرب أعناق الرسل الأربعة وتعليقهم منكوسين على باب زويلة في القاهرة، وإنما صنع ذلك لإرهاب التتار وتثبيت المسلمين، فلما وصل الخبر إلى التتار اشتد غضبهم وقرروا التوجه نحو الديار المصرية ليقضوا على المماليك
وخرج المماليك من مصر يصاحبهم العربان والفلاحون والمتطوعون المجاهدون، واتجهوا صوب الشام، وخرج التتار من الشام متجهين صوب مصر، فالتقى الجمعان واصطدم الجبلان في أرض فلسطين بالقرب من بيسان في سهل عين جالوت، وكأن الله تعالى أراد أن تكون فلسطين على مدار الزمان هي أرض الحسم العظيم ، ونُصح قطز أن يبدأ المعركة بعد الظهر فتكون الجمعة قد صُليت، والناس قد دعت، والرياح قد أقبلت، فاستجاب قطز لهذه النصيحة، والتقى الجيشان العظيمان، وكان على التتار قائد يسمى كَتْبُغانُوَيْن، وذلك لأن هولاكو قد سار إلى بلاده قبل المعركة لحاجة اقتضت وجوده هنالك.
وفي بداية المعركة كانت الدائرة على المسلمين، وذلك لأمور منها الهيبة الهائلة التي كانت للتتار، وللسمعة الحربية الكبيرة التي كانت لهم؛ إذ لم يهزموا في معركة قط أمام المسلمين منذ خمسين سنة تقريباً، هذا عدا عن وجوههم المخيفة وطرائقهم الغريبة، إذ أن التتار لا يتنـزهون عن شيء ولا يتورعون عن شيء، فهم يأكلون كل الدواب والحشرات وربما أكلوها نيئة، وكانوا يقعون على أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم فهم أشبه شيء بالبهائم بل هم أخس وأسوأ وأضل، فلما رأى قطز رحمه الله تعالى ما نـزل بالمسلمين نـزل عن جواده وألقى خوذته على الأرض ، فلما رأى الجند شجاعة قائدهم وثباته وحماسته ثابوا إليه، ورجعوا مجتمعين عليه، وهنا كانت المفاجئة حيث هبت الريح في وجوه التتار، وتسفي التراب في أعينهم، وأقبل المسلمون يقتلونهم كيف شاؤوا، وهرب التتار في كل اتجاه.