بقلم لواء: محمد شبل
ـ “لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا تماثيل”.
ـ “لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة”.
ـ “الذين يصنعون الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم”.
ـ “أشد الناس عذاباً المصورون”.
هذه روايات عدة بأحاديث للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوردها الإمام “مسلم” منذ أكثر من ألف عام فى كتابه المسمى “صحيح مسلم”.
المفكرون نظروا فى هذه “الروايات” منهم ـ مثلاً ـ د. حامد عمار، فكتب فى مقال له بـ: أن خلاصة تفسير النص الحرفى للحديث أن الكلب حيوان نجس، وأن التماثيل مجلبة للعودة إلى الوقوع فى عبادة الأصنام والزيغ فى عقيدة التوحيد.. وهذا التفسير الحرفى يعنى أن ملايين من بيوت المسلمين ممن يضطرون لتربية الكلاب فى بيوتهم، وكليات الشرطة ومن يعملون بها فى تربية الكلاب البوليسية ـ يترتب على هذا التفسير أن كل هؤلاء لا تغشى بيوتهم ومواقع عملهم الملائكة، ومن ثم فهم محرومون من رحمة الله، وهم آثمون. وكذلك الشأن فى عمل التماثيل وإقامتها فى شوارع المدن للأبطال القوميين، أو تماثيل لمعانى وقيم النهضة والخير والجمال. وهذا يعنى أن ملايين أخرى من فنانى النحت ومن سكان المدن الذين يرضون بهذه التماثيل ويتأملونها ـ هم فى حرج من أمور دينهم السمح وهم آثمون كذلك” أ. هـ.
أما الناظرون فى القرآن: ومنهم المفكر د. أحمد شوقى الفنجرى، فقال فى كتابه “مفاهيم خاطئة تؤخر المسلمين” ورد بنفس المقال السابق:
“لا توجد فى القرآن سورة واحدة عن كراهية الكلب أو نجاسته. بل لقد ذكر الكلب فى أكثر من موضع تكريماً وتقديراً لوفائه وذكائه: ففى الآية 18 من سورة الكهف يقول تعالى عن أصحاب الكهف: “وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ”، ففى هذه إشارة إلى حسن رفقة الكلب بهؤلاء الصالحين إلى حد أن يجعله الله ينام معهم ثلاثمائة عام ثم يبعث معهم، وهذا تكريم لم ينله أى حيوان آخر.. وفى الآية 4 من سورة المائدة يقول تعالي: “وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارحِ مُكَلِّبِين تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ”، فهذه إشارة إلى أن الكلاب يجب تعليمها فى خدمة الإنسان. والآية 13 من سورة “سبأ” تدل على أن النحت وصنع التماثيل كان ممارساً فى بيت النبى “سليمان” يقول تعالي: “يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ” أ. هـ.
واضح إذن أن هذه الروايات المنسوبة للنبى الكريم لا تصمد أمام القرآن وأمام العقل، والمبدأ عند أهل العلم هو ما قاله “ابن الجوزي” كل حديث رأيته يخالف المعقول أو يناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع ولا تتكلف اعتباره”.. فكيف بهذه الروايات عن الكلب والتماثيل شاعت وذاعت حتى انطلقت من أعلى موقع للإفتاء؟!
لنشرك معنا المفكر الثالث د. أحمد صبحى منصور: يسأل فى مقال له بمجلة “الإنسان والتطور”: “ما الذى جعل الخاصة والعامة يؤمنون ويصدقون بأن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ذلك الكلام فعلاً؟! إنه “الإسناد” أى أن الراوى أسند ونسب ذلك الكلام للنبى صلى الله عليه وسلم ـ عبر العنعنة ـ أى قال: حدثنى فلان عن فلان عن فلان.. الخ بأن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: وهذا معنى الإسناد وهذا تأثيره على المعقول” أ. هـ.
قلت: ويؤكد الدعاة فى كل موعظة أن ما يطرحونه من الأحاديث صحيح، ويدعمون ذلك بأن سلسلة الرواة عدول، وما داموا كذلك فكل ما ردده قد قاله رسول الله فعلاً.. والمتلقون يصدقون ما يقال من أن علماء “الجرح والتعديل” قد بذلوا جهوداً جبارة لتحديد الرواة العدول والرواة المجروحين.. لكن أحداً لا يبين ما جاء عن تعريف الراوى “العدل”: أنه “الذى لم يرتكب كبيرة ولم يصر على صغيرة ولا يخدش المروءة”.
فقل له بالله عليك كيف يُحكم على الراوى بأنه لم يرتكب كبيرة؟ هل من حكم عليه بذلك كان يراقبه لمدة أربع وعشرين ساعة فى اليوم؟ وفى جوف الليل والناس نيام؟ وهل اطلع على دخيلة نفسه حتى يتأكد م عدم اقترافه شيئاً من معاصى القلوب؟ وهى أخطر من معاصى الجوارح؟ إليكم هذه القصة المعبرة:
“جاء رجلان لتزكية شاهد عند عمر ـ رضى الله عنه ـ فسألهما: هل أنتما من جيرانه الأدنيين تعرفان مدخله ومخرجه؟ قالا: لا.. قال: فهل صحبتماه فى السفر الذى تعرف به أخلاق الرجال؟ قالا: لا.. قال: فهل عاملتماه بالدرهم والدينار؟ قالا: لا.. فقال: لعلكما رأيتماه فى المسجد يرفع قامته ويخفضها بالركوع؟ قالا: نعم.. فقال عمر: اذهبا.. فلستما تعرفانه”.
ويقول د. منصور: “إن الإسناد يناقض المنهج العلمى والتعقل المنطقى.. إن البخارى مثلا عاش فى القرن الثالث الهجرى ومات سنة 256 هـ، أى بينه وبين النبى ـ عليه السلام ـ قرنان ونصف قرن من الزمان، وإذا اعتبرنا الجيل أربعين عاماً فإن بين الرسول ـ عليه السلام ـ وبين البخارى ستة أجيال. فكيف يستقيم فى المنهج العلمى أن تتداول ستة أجيال كلمة ما منسوبة للنبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبر الروايات الشفهية حتى يأتى البخارى ويسجلها بعد النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمائتين وخمسين عاماً؟.. كمثل ذلك الحديث الذى رواه البخارى “فى موضوعنا”: حدثنا آدم عن ابن أبى ذؤيب عن الزهرى عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن بن عباس عن أبى طلحة ـ رضى الله عنهم ـ قال النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ “لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا تصاوير”.
ومن المعلوم أن علماء “الجرح والتعديل” اختلفوا فى مدح راو وتجريحه، وفى إثبات حديث أو نفيه، فالإمام “مسلم” فى صحيحه لم يكتف بما قاله البخارى إسناده ولم يأخذ بكل أحاديثه، ولم يترك ما تركه البخارى من أحاديث. فجاء صحيح مسلم مختلفاً عن صحيح البخارى، ثم جاء الحاكم فاستدرك على البخارى ومسلم.. وقبلهم جميعاً كان أحمد بن حنبل مختلفا فى مسنده، ثم جاء المتأخرون أكثر اختلافاً.
إن أحداً إذا جاءك بآية قرآنية فلن تطالبه بإسناد أما إذا قال حديثاً فلابد أن يذكر اسناده فالقرآن قائم على أساس الإيمان “أى أنك تؤمن بالقرآن” فهو قضية إيمانية، أما الحديث فليس قضية إيمانية، وإنما هو قضية علمية تدخل فى باب البحث والاجتهاد وليس فى قضايا العقيدة واليقين.. ولأنها قضية علمية تقوم على الاختلاف فى وجهات النظر، فإن أحداً لم يحكم بتكفير أحد على أيامهم، إذ هى أمور ظنية بحثية إنسانية وليست من أمور العقيدة والدين.
والحاصل أن علم “الجرح والتعديل” انصب أساساً على فحص “الإسناد” أو سلسلة الرواة دون اهتمام يذكر بفحص “المتن” أو موضوع الحديث نفسه”.
قلت: لذلك فإن أئمة المذاهب ردوا أحاديث ولم يأخذوا بها لاختلافها مع القرآن أو العقل ـ منهم الإمام “مالك” فقد رد حديث: وجوب غسل الإناء سبعاً إحداهن بالتراب الطاهر إذا ولغ فيه الكلب، فقد ورد فى الحديث: “إذا ولغ الكلب فى إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب”، فقال مالك عن الكلب: يؤكل صيده فكيف يكره لعابه؟ فاتخذ من أكل صيده الثابت بأصل قطعى “وهو القرآن” فى قول الله تعالي: “وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارحِ مُكَلِّبِين” دليلاً على طهارة لعاب الكلب بينما الحديث يدل على نجاسته فتعارض مع القرآن.
كما لم يأخذ مالك بحديث “من مات وعليه حجة الإسلام حج عنه وليه” ورده أخذاً بالقاعدة المستمدة من القرآن وهي: “أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى”.
وأيضاً لم يأخذ بخبر “حديث”: “من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنه صام الدهر”. محمد البنا: الكتاب والسنة.
أما الإمام أبو حنيفة: فكان ينكر الأحاديث إذا لم تصح عنده، فشنع المحدثون عليه وقالوا إنه ينكر قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويقدم عليه رأيه “كما يشنعون علينا اليوم!!” ويقولون: ما رأينا أجرأ على الله من أبى حنيفة.. وأحصوا عليه أن أفتى بنحو مائتى مسألة خالف فيها الحديث: قال رسول الله “كما يروي”: “للفرس سهمان وللرجل سهم” فى الغنيمة فقال أبو حنيفة: أنا لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن!! وكان النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرع بين نسائه إذا أراد أن يخرج فى سفر.. وقال أبو حنيفة: القرعة قمار!!
وكان يواجه معارضيه بقوله: “ردى على كل رجل يحدث عن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخلاف القرآن ليس رداً على النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا تكذيباً له، ولكنه رد على من يحدث عنه بالباطل، والتهمة دخلت عليه ليس على نبى الله” أحمد أمين: ضحى الإسلام.
وهكذا رأيت ـ عزيزى القارئ ـ أن الأئمة العظام لم يأخذوا كل الأحاديث المنسوبة للنبى الكريم قضية مسلمة لا تقبل النقد، بل قاموا بنقدها، وردوا ما لا يتسق مع القرآن وما لا يوافق العقل؛ لأن الإسلام دين العقل، ولأن أصل التشريع هو القرآن، ولأن التفكير فريضة على كل مسلم، ثم لأن الأحاديث كلها ظنية الورود عن الرسول الكريم.
لماذا لا يفعل علماء اليوم ما فعله أئمة السلف؟ لماذا لا يقفون أمام الأحاديث بالنقد والاجتهاد وهم يملكون أدواته كما يقولون ونقول أيضاً، كما أنهم يقرون أن باب الاجتهاد مفتوح، وسيظل مفتوحاً إلى ما شاء الله؟!
فإذا أبوا إلا أن يقفوا أمام كل الأحاديث بالخضوع والتسليم، فلا أقل من أن يكفوا عن إعلان وترديد تلك المخالفة للقرآن والعقل، وهو أضعف الإيمان!!
ـ “لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا تماثيل”.
ـ “لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة”.
ـ “الذين يصنعون الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم”.
ـ “أشد الناس عذاباً المصورون”.
هذه روايات عدة بأحاديث للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوردها الإمام “مسلم” منذ أكثر من ألف عام فى كتابه المسمى “صحيح مسلم”.
المفكرون نظروا فى هذه “الروايات” منهم ـ مثلاً ـ د. حامد عمار، فكتب فى مقال له بـ: أن خلاصة تفسير النص الحرفى للحديث أن الكلب حيوان نجس، وأن التماثيل مجلبة للعودة إلى الوقوع فى عبادة الأصنام والزيغ فى عقيدة التوحيد.. وهذا التفسير الحرفى يعنى أن ملايين من بيوت المسلمين ممن يضطرون لتربية الكلاب فى بيوتهم، وكليات الشرطة ومن يعملون بها فى تربية الكلاب البوليسية ـ يترتب على هذا التفسير أن كل هؤلاء لا تغشى بيوتهم ومواقع عملهم الملائكة، ومن ثم فهم محرومون من رحمة الله، وهم آثمون. وكذلك الشأن فى عمل التماثيل وإقامتها فى شوارع المدن للأبطال القوميين، أو تماثيل لمعانى وقيم النهضة والخير والجمال. وهذا يعنى أن ملايين أخرى من فنانى النحت ومن سكان المدن الذين يرضون بهذه التماثيل ويتأملونها ـ هم فى حرج من أمور دينهم السمح وهم آثمون كذلك” أ. هـ.
أما الناظرون فى القرآن: ومنهم المفكر د. أحمد شوقى الفنجرى، فقال فى كتابه “مفاهيم خاطئة تؤخر المسلمين” ورد بنفس المقال السابق:
“لا توجد فى القرآن سورة واحدة عن كراهية الكلب أو نجاسته. بل لقد ذكر الكلب فى أكثر من موضع تكريماً وتقديراً لوفائه وذكائه: ففى الآية 18 من سورة الكهف يقول تعالى عن أصحاب الكهف: “وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ”، ففى هذه إشارة إلى حسن رفقة الكلب بهؤلاء الصالحين إلى حد أن يجعله الله ينام معهم ثلاثمائة عام ثم يبعث معهم، وهذا تكريم لم ينله أى حيوان آخر.. وفى الآية 4 من سورة المائدة يقول تعالي: “وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارحِ مُكَلِّبِين تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ”، فهذه إشارة إلى أن الكلاب يجب تعليمها فى خدمة الإنسان. والآية 13 من سورة “سبأ” تدل على أن النحت وصنع التماثيل كان ممارساً فى بيت النبى “سليمان” يقول تعالي: “يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ” أ. هـ.
واضح إذن أن هذه الروايات المنسوبة للنبى الكريم لا تصمد أمام القرآن وأمام العقل، والمبدأ عند أهل العلم هو ما قاله “ابن الجوزي” كل حديث رأيته يخالف المعقول أو يناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع ولا تتكلف اعتباره”.. فكيف بهذه الروايات عن الكلب والتماثيل شاعت وذاعت حتى انطلقت من أعلى موقع للإفتاء؟!
لنشرك معنا المفكر الثالث د. أحمد صبحى منصور: يسأل فى مقال له بمجلة “الإنسان والتطور”: “ما الذى جعل الخاصة والعامة يؤمنون ويصدقون بأن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ذلك الكلام فعلاً؟! إنه “الإسناد” أى أن الراوى أسند ونسب ذلك الكلام للنبى صلى الله عليه وسلم ـ عبر العنعنة ـ أى قال: حدثنى فلان عن فلان عن فلان.. الخ بأن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: وهذا معنى الإسناد وهذا تأثيره على المعقول” أ. هـ.
قلت: ويؤكد الدعاة فى كل موعظة أن ما يطرحونه من الأحاديث صحيح، ويدعمون ذلك بأن سلسلة الرواة عدول، وما داموا كذلك فكل ما ردده قد قاله رسول الله فعلاً.. والمتلقون يصدقون ما يقال من أن علماء “الجرح والتعديل” قد بذلوا جهوداً جبارة لتحديد الرواة العدول والرواة المجروحين.. لكن أحداً لا يبين ما جاء عن تعريف الراوى “العدل”: أنه “الذى لم يرتكب كبيرة ولم يصر على صغيرة ولا يخدش المروءة”.
فقل له بالله عليك كيف يُحكم على الراوى بأنه لم يرتكب كبيرة؟ هل من حكم عليه بذلك كان يراقبه لمدة أربع وعشرين ساعة فى اليوم؟ وفى جوف الليل والناس نيام؟ وهل اطلع على دخيلة نفسه حتى يتأكد م عدم اقترافه شيئاً من معاصى القلوب؟ وهى أخطر من معاصى الجوارح؟ إليكم هذه القصة المعبرة:
“جاء رجلان لتزكية شاهد عند عمر ـ رضى الله عنه ـ فسألهما: هل أنتما من جيرانه الأدنيين تعرفان مدخله ومخرجه؟ قالا: لا.. قال: فهل صحبتماه فى السفر الذى تعرف به أخلاق الرجال؟ قالا: لا.. قال: فهل عاملتماه بالدرهم والدينار؟ قالا: لا.. فقال: لعلكما رأيتماه فى المسجد يرفع قامته ويخفضها بالركوع؟ قالا: نعم.. فقال عمر: اذهبا.. فلستما تعرفانه”.
ويقول د. منصور: “إن الإسناد يناقض المنهج العلمى والتعقل المنطقى.. إن البخارى مثلا عاش فى القرن الثالث الهجرى ومات سنة 256 هـ، أى بينه وبين النبى ـ عليه السلام ـ قرنان ونصف قرن من الزمان، وإذا اعتبرنا الجيل أربعين عاماً فإن بين الرسول ـ عليه السلام ـ وبين البخارى ستة أجيال. فكيف يستقيم فى المنهج العلمى أن تتداول ستة أجيال كلمة ما منسوبة للنبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبر الروايات الشفهية حتى يأتى البخارى ويسجلها بعد النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمائتين وخمسين عاماً؟.. كمثل ذلك الحديث الذى رواه البخارى “فى موضوعنا”: حدثنا آدم عن ابن أبى ذؤيب عن الزهرى عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن بن عباس عن أبى طلحة ـ رضى الله عنهم ـ قال النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ “لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا تصاوير”.
ومن المعلوم أن علماء “الجرح والتعديل” اختلفوا فى مدح راو وتجريحه، وفى إثبات حديث أو نفيه، فالإمام “مسلم” فى صحيحه لم يكتف بما قاله البخارى إسناده ولم يأخذ بكل أحاديثه، ولم يترك ما تركه البخارى من أحاديث. فجاء صحيح مسلم مختلفاً عن صحيح البخارى، ثم جاء الحاكم فاستدرك على البخارى ومسلم.. وقبلهم جميعاً كان أحمد بن حنبل مختلفا فى مسنده، ثم جاء المتأخرون أكثر اختلافاً.
إن أحداً إذا جاءك بآية قرآنية فلن تطالبه بإسناد أما إذا قال حديثاً فلابد أن يذكر اسناده فالقرآن قائم على أساس الإيمان “أى أنك تؤمن بالقرآن” فهو قضية إيمانية، أما الحديث فليس قضية إيمانية، وإنما هو قضية علمية تدخل فى باب البحث والاجتهاد وليس فى قضايا العقيدة واليقين.. ولأنها قضية علمية تقوم على الاختلاف فى وجهات النظر، فإن أحداً لم يحكم بتكفير أحد على أيامهم، إذ هى أمور ظنية بحثية إنسانية وليست من أمور العقيدة والدين.
والحاصل أن علم “الجرح والتعديل” انصب أساساً على فحص “الإسناد” أو سلسلة الرواة دون اهتمام يذكر بفحص “المتن” أو موضوع الحديث نفسه”.
قلت: لذلك فإن أئمة المذاهب ردوا أحاديث ولم يأخذوا بها لاختلافها مع القرآن أو العقل ـ منهم الإمام “مالك” فقد رد حديث: وجوب غسل الإناء سبعاً إحداهن بالتراب الطاهر إذا ولغ فيه الكلب، فقد ورد فى الحديث: “إذا ولغ الكلب فى إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب”، فقال مالك عن الكلب: يؤكل صيده فكيف يكره لعابه؟ فاتخذ من أكل صيده الثابت بأصل قطعى “وهو القرآن” فى قول الله تعالي: “وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارحِ مُكَلِّبِين” دليلاً على طهارة لعاب الكلب بينما الحديث يدل على نجاسته فتعارض مع القرآن.
كما لم يأخذ مالك بحديث “من مات وعليه حجة الإسلام حج عنه وليه” ورده أخذاً بالقاعدة المستمدة من القرآن وهي: “أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى”.
وأيضاً لم يأخذ بخبر “حديث”: “من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنه صام الدهر”. محمد البنا: الكتاب والسنة.
أما الإمام أبو حنيفة: فكان ينكر الأحاديث إذا لم تصح عنده، فشنع المحدثون عليه وقالوا إنه ينكر قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويقدم عليه رأيه “كما يشنعون علينا اليوم!!” ويقولون: ما رأينا أجرأ على الله من أبى حنيفة.. وأحصوا عليه أن أفتى بنحو مائتى مسألة خالف فيها الحديث: قال رسول الله “كما يروي”: “للفرس سهمان وللرجل سهم” فى الغنيمة فقال أبو حنيفة: أنا لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن!! وكان النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرع بين نسائه إذا أراد أن يخرج فى سفر.. وقال أبو حنيفة: القرعة قمار!!
وكان يواجه معارضيه بقوله: “ردى على كل رجل يحدث عن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخلاف القرآن ليس رداً على النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا تكذيباً له، ولكنه رد على من يحدث عنه بالباطل، والتهمة دخلت عليه ليس على نبى الله” أحمد أمين: ضحى الإسلام.
وهكذا رأيت ـ عزيزى القارئ ـ أن الأئمة العظام لم يأخذوا كل الأحاديث المنسوبة للنبى الكريم قضية مسلمة لا تقبل النقد، بل قاموا بنقدها، وردوا ما لا يتسق مع القرآن وما لا يوافق العقل؛ لأن الإسلام دين العقل، ولأن أصل التشريع هو القرآن، ولأن التفكير فريضة على كل مسلم، ثم لأن الأحاديث كلها ظنية الورود عن الرسول الكريم.
لماذا لا يفعل علماء اليوم ما فعله أئمة السلف؟ لماذا لا يقفون أمام الأحاديث بالنقد والاجتهاد وهم يملكون أدواته كما يقولون ونقول أيضاً، كما أنهم يقرون أن باب الاجتهاد مفتوح، وسيظل مفتوحاً إلى ما شاء الله؟!
فإذا أبوا إلا أن يقفوا أمام كل الأحاديث بالخضوع والتسليم، فلا أقل من أن يكفوا عن إعلان وترديد تلك المخالفة للقرآن والعقل، وهو أضعف الإيمان!!