الإرادة السياسية والهرج الديني في ظل حكم الإخوان والسلفيين

بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
كلنا يعلم الأمراض الجسدية بداية من الصداع حتى السرطان والفشل الكبدي والكلوي ومئات الأمراض الأخرى، كما يعلم معظمنا الأمراض النفسية والنفسية-العصبية والعقلية، وربما لا يخلو معظم المواطنين من درجة ولو بسيطة جدا من تلك الأمراض النفسية.

ولكن ثورة يناير المجيدة قد سمحت بانطلاق نوع آخر هو أشد الأنواع المرضية فتكا، ألا وهو الأمراض "الروحية". وأقصد بالأمراض "الروحية" التطرف الديني بأشكاله المختلفة والتي أصبحت مصدرا لاكتئاب المصريين وقلقهم وحزنهم وإهانتهم بأقذع آيات القذف بداية من الفسق إلى الفجور إلى التكفير بل وإلى القتل أيضا.


وبدأ هؤلاء المرضى "الروحيين"، طواغيت التطرف الديني، يقذفون بحممهم عبر الفضائيات، بل وفي المساجد، وفي الشارع المصري بالعدوان على خلق الله وقتل الأبرياء بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإرهاب ذوي الديانات الأخرى ومحاربتهم والاعتداء عليهم.
إذا كانت الأمراض الجسدية والنفسية والعصبية تحتاج في مواجهتها لإرادة سياسية مع ميزانية كافية وأموال تقصر خزينة الدولة عن توفيرها، فماذا ينقص مواجهة الأمراض "الروحية" التي انفجرت بعد وصول الإخوان والسلفيين إلى سدة الحكم؟ لا ينقصها إلا الإرادة السياسية، ولكن للأسف الشديد، الإرادة السياسية التي تحمل أيديولوجية الإسلام السياسي تتهاون مع هذه الأمراض الروحية بل تشجعها وتؤجج من جذوة نيرانها. وهذه هي المصيبة الكبرى. ومن ثم فلابد للإرادة الشعبية أن تتحرك من أجل حماية مصر (والعالم كله) من هول هذه الأمراض وذلك التطرف الديني الغاشم. وفيما يلي بعض الاتجاهات المقترحة لمواجهة هذا الخطر الداهم:
1.    استعادة دور الأزهر كما كان إبان نشأته في العصر الفاطمي والتخلص من التدهور الذي تسبب فيه محمد علي في البداية ثم عبد الناصر وتحت مشيخة الشيخ شلتوت نفسه رحمه الله، حيث فقد الأزهر استقلاليته وشَرَفَ انتخاب شيخ الأزهر بهيئة كبار العلماء بدلا من تعيينه من قبل رئاسة الدولة، وضرورة استعادة نظام الأوقاف لكي تتبع الأزهر ويستقل بقدرته التمويلية بجانب دعم الدولة له. وربما يمثل الدكتور الطيب أنسب الشخصيات التي تشرف على تطوير الأزهر نظرا لتعلمه الإسلام السمح الصافي بلا تشدد، بالإضافة إلي دراسته في الغرب ومتابعته لإنجازاته دون انبهار، كما يتسم بالسماحة واليقين الصوفي البعيد عن شطط العقل وخبله. هل يقبل الإخوان والسلفيون ذلك؟
2.    تنشيط دور الإعلام لكي يسيطر الخطاب الديني السمح الأصيل، عن طريق استدعاء القنوات الفضائية للمزيد من الدعاة السمحاء أمثال الشيخ أسامة الأزهري وغيره كثيرون من الشباب ومن "المعممين والمطربشين"، أقصد، من يلبسون "البدل" ومن يلبسون "الكواكيل والجبب" والقساوسة الأفاضل.
3.    ليس من المعقول أن يترك العملاق الأزهري الميدان للأقزام الذين لا يعلم سرهم إلا الله لينشئوا عشرات القنوات الدينية، ويتنحى هو عن ذلك. وطوبى لرجال الأعمال الذين يمكن أن يدعموا قناة فضائية للأزهر الشريف مع فتح المجال لتبرعات المشاهدين، وليوقن كل متبرع أن تبرعه هذا في تقديري هو من أنفس أنواع الجهاد.
4.    يعتقد المؤيدون والفرحون باعتلاء تيار الإسلام السياسي لكراسي الحكم المبجلة بأن كارثة مصر هي في نخبتها ومثقفيها الذين يسعون لإكمال الثورة الينايرية الحبيبة وتحقيق مطالبها، ويقولون أنهم يعطلون عجلة الإنتاج، ويدعونهم، دون أنفسهم، أن ينطلقوا للعمل، ويلتفوا حول الحكومة، ويعطوا فرصة للرئيس مرسي وحكمه. أقول لهم، ثلاثة أرباع اقتصاد مصر يتمثل في الاقتصاد غير الرسمي، يعني أناسٌ الفرد منهم اليوم "يُقَرًص" فلافل وغدا يبيع جرجيرا، وأن مصر منذ الثورة تسير بقوة دفع اقتصادي ذاتي احتار اقتصاديو العالم فيه، هذا من ناحية، ثانيا: لا عمل ولا اقتصاد دون توجه سياسي ورؤية تنموية وإرادة سياسية مخلصة، وهذا لا يتوافر حاليا بكل تأكيد حيث أن الإخوان والسلفيين لا يهتمون إلا بترسيخ دعائم حكمهم وسيطرتهم على مفاصل الدولة. ثالثا، كيف ننطلق إلى العمل في ظل  هذا الانشقاق السياسي والديني والاجتماعي والاقتصادي والغياب الأمني والإرهاب الديني والعته الدستوري القائم في الجمعية معوجة التشكيل القائمة الآن بإعداد الدستور؟ كل هذا يعني ضرورة التركيز أولا على خلق الإرادة السياسية المخلصة والتي دونها لن يتغير هذا الهرج الديني في ظل حكم الإخوان والسلفيين.

5.    أتمنى أن يتطوع بعض المحامين الوطنيين المخلصين بالإضافة إلى جمعيات حقوق الإنسان لكي يقوموا بمهمة الملاحقة القانونية لهؤلاء المتطرفين الدينيين لمقاضاتهم قانونيا تحقيقا للعدل وردعا لهذه المهاترات التي لا تلقي بالا لأبسط حقوق الإنسان وتكريمه.6.    قد لا يدرك البعض أن الإخوان والسلفيين يختلفون اختلافا شديدا ربما لدرجة المعاداة والتخوين، وقد قيل ذلك حول الرئيس مرسي من جانب بعض متطرفي السلفيين. المشكلة أيضا أن الفريقين (الإخوان والسلفيين) لديهم موارد مادية وبشرية هائلة، كما وأن لديهم انتشارا عالميا هائلا أيضا. الإخوان مرضى بسعار السلطة ودولة الخلافة والأستاذية، والسلفيون مرضى بالقصور الفهمي للشريعة وفرضها كما يرونها وبوسائل لا يقرها الإسلام على الإطلاق. فليس من المعقول مثلا أن يُقتل سبعة عشر جنديا على مائدة الإفطار في سيناء (أغسطس الماضي) ممن أعلنوا عن مسئوليتهم عن ذلك وهم "جماعة مجلس شورى المجاهدين" السلفية، وأطلقت على هذه المجزرة "غزوة النصرة للأقصى والأسرى"، في الوقت الذي قال فيه أبو بصير المهاجر، وهو أحد قادة هذه المجموعة، إن الجماعة تحتضن المئات من مجاهدي الجماعات السلفية الجهادية في سيناء وقطاع غزة ممن سبق لهم أن حاربوا في أفغانستان وليبيا ومصر نفسها.
7.    سيديً البرادعي وصباحي، وأضيف لهم عمرو موسى الآن، ومعكم شباب الثورة وشعب التيار الشعبي وحزب الدستور ومثقفو مصر الشرفاء، لا أناديكم إلى مواجهة هذا العنف والإرهاب الديني المتفجر بالعنف المضاد، وإلا فإننا ندعو إلى حرب أهلية، ولكن أقول فقط أنه لا سبيل إلى إقامة الدولة المصرية المدنية الديمقراطية الحديثة التي يعبد فيها الله في سلام وآمان إلا بالوعي والتوعية والصبر والمثابرة وعدم اليأس أبدا، فمصر لن تسقط، ولن يحكمها المتطرفون، ولكن الأمر لا يتعدى زوبعة في فنجان أو إذا شئت فقل "عاصفة ساندى العظمى"، وأدعو الدكتور مرسي أن يقبل بصدر رحب، ولو أدى الأمر إلى استبعاده من الإخوان، إلى إقامة انتخابات رئاسية بعد الانتهاء من وضع الدستور حتى يلقى الله بإذن الله في الفردوس الأعلى "ويفلت بجلده"، ويخلصنا من هذه الكارثة التي نحياها الآن بتأسيس دولة قوية مهابة نفخر بها وترفرف عليها رايات الرفاه والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وحاسب الله المجلس العسكري على توريط مصر في هذا المستنقع الآسن. 

شارك برأيك

مرحبا بالاصدقاء الاعزاء
يسعدنى زيارتكم وارجو التواصل دائما
Hello dear "friends
I am glad your visit and I hope always to communicate

TvQuran
,