صلاة الشكر.. أو السجود للشكر، يشرع للعبد أداؤها عند حصوله على نعمة من الله أو دفع نقمة عنه، يعود الشّكر على صاحبه براحة البال وحسن الحال، ويكون ذلك بالاعتراف في القلب أنّ الله تعالى هو واهبها، والاعتراف أيضًا باللسان، وشكره سبحانه على نعمه الكثيرة التي لا تُعد ولا تُحصى.
حكم صلاة الشكر
صلاة الشكر ليست بدعة، بشرط أن تكون بسبب حصول نعمة للإنسان أو زوال نقمة عنه أو ضرر، أو أن أنعم الله على جميع خلقه؛ لا تعد ولا تحصى، وكانت دار الإفتاء قد اكدت جوازَ سجدة الشكر دون طهارة، أخذًا بقول المالكية ومَن وافقهم، مشيرةً إلى أن الأَولى لمن أراد أن يسجد سجدة الشكر أن يكون متوضئًا متجهًا إلى القبلة، وأن ينوي ويُكبر فيهوي سجودًا ثم يُسلِّم.
وأوضحت دار الإفتاء في فتوى لها على موقعها الإلكتروني، أن العبد إن باغتته النعمة وتعذَّر عليه الوضوء وشق عليه ترك ما شَغَلَهُ من شأنٍ؛ يجوز له أن يسجد على حاله متوضئًا أو لا، متجهًا للقبلة أو لا؛ تقليدًا لمن أجاز ذلك من العلماء.
وأوضحت أمانة الفتوى أولًا أن الله عز وجل أوجب على العبد أن يشكره سبحانه على عظيم نعمته عليه، وقرن سبحانه الذكر بالشكر في كتابه الكريم، حيث قال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152]، مع علو مكانة الذكر التي قال الله تعالى فيها: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45].
وبيَّنت الفتوى أن الله تعالى وعد بنجاة الشاكرين من المؤمنين وبجزائهم خير الجزاء، حيث قال: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء: 147]، وقال تعالى: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 145]، وقال عز من قائل: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].
دعاء صلاة الشكر
1- « الحمد لله الّذي بعزّته وجلاله تتمّ الصالحات، يا ربّ لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، اللهمّ اغفر لنا وارحمنا وارض عنّا، وتقبّل منّا وأدخانا الجنّة ونجّنا من النّار، وأصلح لنا شأننا كلّه، اللهمّ أحسن عاقبتنا في الأمور كلّها، وأجرنا من خزي الدّنيا وعذاب الآخرة، اللهمّ يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لا يؤاخذ بالجريرة ولا يهتك الستر، يا عظيم العفو وحسن التجاوز».
2- « يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرّحمة، يا صاحب كلّ نجوى، يا منتهى كلّ شكوى، يا كريم الصّفح يا عظيم المنّ يا مبتدئ النعم قبل استحقاقها، يا ربّنا ويا سيّدنا، ويا مولانا ويا غاية رغبتنا، أسألك يا الله ألاّ تشوي خلقتي بالنّار، اللهمّ إنّي أسألك الثّبات في الأمر، و أسألك عزيمة الرّشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك لسانًا صادقًا، وقلبًا سليمًا، وأعوذ بك من شرّ ما تعلم، وأسألك من خير ما تعلم، وأستغفرك ممّا تعلم، إنّك أنت علّام الغيوب، اللهمّ زدنا ولا تَنقصنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضِنا وارض عنّا، اللهمّ أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».
3- « الحمد لله ربّ العالمين، خلق اللوح والقلم، وخلق الخلق من عدم، ودبّر الأرزاق والآجال بالمقادير، وجمّل الليل بالنجوم في الظُلَمّ، الحمد لله ربّ العالمين، الّذي علا فقهر، ومَلَكَ فقدر، وعفا فغفر، وعلِمَ وستر، وهزَمَ ونصر، وخلق ونشر، الحمد لله ربّ العالمين، صاحب العظمة والكبرياء، يعلم ما في البطن والأحشاء، فرّق بين العروق والأمعاء، أجرى فيهما الطعام والماء، فسبحانك يا ربّ الأرض والسماء».
4- « الحمد لله ربّ العالمين، يُحب من دعاه خفيًا، ويُجيب من ناداه نجيًّا، ويزيدُ من كان منه حيِيًّا، ويكرم من كان له وفيًّا، ويهدي من كان صادق الوعد رضيًّا. الحمد لله ربّ العالمين، الّذي أحصى كلّ شيء عددًا، وجعل لكلّ شيء أمدًا، ولا يُشرك في حُكمهِ أحدًا، وخلق الجِن وجعلهم طرائِق قِددا».
5- « الحمد لله ربّ العالمين، الّذي جعل لكلّ شيء قدرًا، وجعل لكلّ قدرِ أجلًا، وجعل لكلّ أجلِ كتابًا، الحمد لله ربّ العالمين، حمدًا لشُكرهِ أداءًولحقّهِ قضاءً، ولِحُبهِ رجاءًولفضلهِ نماءًولثوابهِ عطاءً، الحمد لله ربّ العالمين، الّذي سبّحت له الشمس والنجوم الشهاب، وناجاه الشّجر والوحش والدّواب، والطّير في أوكارها كلُ ُ له أواب، فسبحانك يا من إليه المرجع والمآب».
6- « سبحانك يا ربلا يُقال لغيرك سُبحان، وأنت عظيم البرهان، شديد السلطان، لا يُعجزكَ إنسُ ولا جان، سبحانك يا رب، اسمُك خير اسم، وذكرُك شفاءُ للسُقم، حبُك راحةُ للرّوح والجسم، فضلُكَ لا يحصى بعدِّ أو عِلم. سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم. سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم».
7- « ربي اجعلني لك شكارًا، لك ذكارًا، لك رهابًا، لك مطاوعًا، لك مخبتًا، إليك أواهًا منبيًا، الحمد لله رب العالمين حمدًا لشُكرهِ أداءً ولحقهِ قضاءً، ولِحُبهِ رجاءً ولفضلهِ نماءً ولثوابهِ عطاءً».
8- « الحمد لله ربّ العالمين، الّذي علا فقهر، ومَلَكَ فقدر، وعفا فغفر، وعلِمَ وستر، وهزَمَ ونصر، وخلق ونشر، الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله ملء ما خلق، الحمد لله عدد ما في السموات وما في الأرض، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه، الحمد لله على ما أحصى كتابه، الحمد لله عدد كل شيء، الحمد لله على كل شيء».
9- «اللهم إن شكرك نعمة، تستحق الشكر، فعلّمني كيف أشكرك ، الحمد لله كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك، الحمد لله رب العالمين خلق اللوح والقلم، وخلق الخلق من عدم، ودبر الأرزاق والآجال بالمقادير، وحكم وجمل الليل بالنجوم في الظُلَم، الحمد لله رب العالمين يُحب من دعاه خفيا، ويُجيب من ناداه نجيا، ويزيدُ من كان منه حيِيا، ويكرم من كان له وفيا، ويهدي من كان صادق الوعد رضيا».
10-« الحمد لله رب العالمين الذي أحصى كل شيء عددًا، وجعل لكل شيء أمدا، ولا يُشرك في حُكمهِ أحدًا، وخلق الجِن وجعلهم طرائِق قِددا، الحمد لله رب العالمين الذي جعل لكل شيء قدرًا، وجعل لكل قدرِ أجلًا، وجعل لكل أجلِ كتابًا، سبحانك يا رب لا يُقال لغيرك سُبحان وأنت عظيم البرهان شديد السلطان لا يُعجزكَ إنسٌ ولا جان، الحمد لله رب العالمين خلق اللوح والقلم، وخلق الخلق من عدم، ودبر الأرزاق والآجال بالمقادير، وحكم وجمل الليل بالنجوم في الظُلَم».
سبب تشريع سجدة الشكر
وأوضحت أمانة الفتوى سبب تشريع سجدة الشكر؛ وهو وجوب شكر نعمة الله تعالى على عباده عند حدوث نعمةٍ أو دفعِ بليةٍ.
الأدلة على سجدة الشكر
وساقت الفتوى عدة أدلة شرعية، منها: ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا جاء الشيءُ يُسرُّ به خَرَّ ساجدًا؛ شكرًا لله تعالى.
ومنها أيضًا: ما رواه أبو داود بسنده عن سعيد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريبًا من عَزْوَرَا [بفتح العين المهملة وسكون الزاي وفتح الواو وفتح الراء المهملة بالقصر؛ ثنية بالجحفة عليها الطريق بين مكة والمدينة] نزل فرفع يديه فدعا الله تعالى ساعة، ثم خرَّ ساجدًا فمكث طويلًا، ثم قام فرفع يديه ساعة، ثم خرَّ ساجدًا فمكث طويلًا، ثم قام فرفع يديه، قال: «إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجدًا شكرًا لربي، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجدًا لربي شكرًا، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخِرَ؛ فخررت ساجدًا لربي».
وعلقت أمانة الفتوى على هذه الأدلة بقولها: "ولهذه الأحاديث وغيرها ذهب محمد وأبو يوسف من الحنفية والشافعي وأحمد إلى أن سجدة الشكر سنَّة".
وفسَّرت الفتوى ذلك قائلة: "وذهبوا إلى أنها يُشترط لها ما يُشترط في الصلاة من الطهارة وستر العورة ونحوهما؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه الإمام مسلم: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور»؛ فيدخل في عمومه السجود، ولأنه صلاة فيشترط له ذلك كالصلاة المعتادة، وبالقياس على سجود السهو فإنه يُشترط له ذلك".
شروط صحة سجدة الشكر
وأشارت أمانة الفتوى بدار الإفتاء إلى القول القائل بأنَّ سجدةَ التلاوةِ وسجدةَ الشُّكْرِ صلاةٌ؛ فيُعتبر لهما ما يُعتبر لصلاة النافلة من الطهارة وغيرها، كاجتناب النجاسة واستقبال القِبلة وستر العورة والنية؛ لأنه سجود لله تعالى يُقصد به التقرب إليه، له تحريم وتحليل، فكان صلاةً كسجود الصلاة والسهو".
وساقت الفتوى رأى الإمام الشعبي، الذي يذهب إلى أنه لا تُشترط فيها الطهارةُ ولا استقبالُ القبلة، فقد ورد ذلك عنه في سجود التلاوة.
كما أشارت الفتوى إلى أن عدم اشتراط الوضوء لسجدة الشكر هو ما ذهب إليه بعض من المالكية وبعض الأئمة المعتبرين.
وذكرت الفتوى أيضًا استدلالًا آخَرَ لِمَن لم يشترط الوضوء لسجود الشكر، بأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا جاءهم الخبر السارُّ يسجدون عقبه، ولم يأمرهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالوضوء، وأن هذه الأمور قد تفاجئ العبدَ وهو على غير طهارة، وتركُها مُضَيِّعٌ لمصلحتها، كما أنَّ الله تعالى أَذِن في هذا السجود وأثنى على فاعله، وأطلق ذلك دون اشتراط الطهارة فيه، ولم يأمر بها سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابَه.
واحتجَّت الفتوى على مَن يرى أن سجود الشكر يختلف عن الصلاة بقول العلماء، فقالت: وأجابوا عن قياس سجود الشكر على الصلاة بأن سجود الشكر يختلف عن الصلاة في أنه لا قراءة فيه ولا ركوع، كما يجوز في سجود الشكر أن يكون القارئ خلف الإمام وأنه لا تشترط المصافَّة فيه. كما قالوا: "وليس إلحاق محل النزاع بصور الاتفاق أولى من إلحاقه بصور الافتراق".
وعليه، فإن الفتوى قرَّرت أن جمهور الفقهاء على اشتراط الطهارة لسجدة الشكر، وذهب عددٌ من الفقهاء المعتبرين إلى عدم اشتراطها؛ كما قال بعضهم بعدم اشتراط القبلة وغيرها من شروط الصلاة.