المتاجرون بالإسلام

د/ سيد إمام الشريف
خلق الله الناس ليعبدوه وليتحاكموا إلي شرعه وحده بلا شريك ، فقال تعالي في النهي عن الإشراك في عبادته : (وَلَا يُشْرِ‌كْ بِعِبَادَةِ رَ‌بِّهِ أَحَدًا)الكهف 110 ، وقال تعالى في النهي عن الإشراك في أحكامه : (وَلَا يُشْرِ‌كُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)الكهف26.
وأرسل إليهم الرسل عليهم السلام يبلغونهم ذلك وأن مصالحهم الدنيوية والأخروية في طاعة الله ، وينذرونهم عقوبة من خالفه في الدنيا والآخرة. وكان آخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم فدعا إلى الله وأقام دولة إسلامية ظلت تحكم بالإسلام 1200سنة ، حتي تخلت الدولة العثمانية عن أحكام الشريعة وتبعها علي ذلك واليها على مصر محمد على في أوائل القرن 19م. فحكم ببعض القوانين الأوروبية التي ترجمها المتفرنج رفاعه الطهطاوي ، فعاقب الله مصر بالإحتلال الإنجليزي عام 1882م ففرض الحكم بقوانين أوروبا الكافرة على مصر بقوة الإحتلال وألغى كل أحكام الشريعة إلا بعض أحكام الأسرة ، وبرّر له الأزهريون هذا الكفر .
كما تمكن الإستعمار ــ بتحكمه في التعليم والإعلام ــ من إفساد عقول الناس حتى غرس فيهم كراهية الإسلام وشريعته. وقامت ثورة شعبية عام 1919م لم تطالب بالإسلام وإنما طالبت بالإستقلال فزادهم الله ضلالا وتعاسة، وتمخضت تلك الثورة عن إصدار دستور علماني (1923م) فَصَل الدين عن الدولة وجعل الحكم بالقوانين الكافرة بإرادة شعبية بعدما كان بقوة الإحتلال، وسموا هذه الإرادة الشعبية بالشرعية في مقابل الشرعية الإسلامية، ولا شرعية للكفر عند الله.
ثم تعهدت الحكومة المصرية تعهداً دوليا بأن تستمر في الحكم بالقوانين الكافرة وأن لا عودة لأحكام الإسلام وذلك عام 1937م (إتفاقية مونترو).
ورحلت جيوش الإستعمار عن مصر، ولكن بقيت قوانينه الكافرة تحكمنا فاستمر الإحتلال التشريعي لمصر، وصَبَغ البلاد بصبغته الإباحية الإلحادية : من إباحة المحرمات وإشاعة الفجور وإماتة الفضائل والنخوة بين الناس حتى شاعت بينهم المظالم والرذائل بلا نكير.
(تسمين الإخوان وأدعياء السلفية)
وقد حاول بعض المسلمين في العقود الأخيرة إصلاح هذا الخلل الذي توحش بسبب سكوت أجيال الآباء والأجداد، وأطلق عليهم الحركة الجهادية ، فحاربتهم الحكومة المصرية بقوانينها ومحاكمها وجنودها وسجونها وتعذيبها وأزهرها وإعلامها.
وفي المقابل سمحت الحكومة للجماعات الأخرى (الإخوان وأدعياء السلفية والدعاة الجدد ودعاة الفضائيات وغيرهم ) سمحت لهم بحرية النشاط لصرف الشباب عن الإلتحاق بالحركة الجهادية ، فتضخمت تلك الجماعات التي ظلت مباحث أمن الدولة ترعى تسمينهم طوال 30 سنة هي فترة حكم حسني مبارك في صفقات صريحة مع النظام.
ولهذه الأسباب ولفساد في داخلها فشلت الحركة الجهادية في التغيير، فأصاب الحكومة المصرية الغرور وتوسعت في الفتك والتعذيب وتلفيق التهم لعامة الشعب بعدما كان هذا الظلم مقصورا على الحركة الجهادية. ولم يتحمل الشعب توحش الداخلية وقسوة الحكومة فثار في 25 يناير 2011م علي حسني مبارك وخلعه، ولكن بقي النظام كما هو لم يتغير بسبب تدخل الإخوان وأدعياء السلفية لإجهاض الثورة في مقابل قبض الثمن.
(السياسة الثابتة للإخوان)
كلما ظهرت معارضة حقيقية للنظام أسرع الإخوان في عرض خدماتهم بضرب هذه المعارضة في مقابل مكاسب لهم ( عقد صفقات ) وكله بالإسلام . وقد أتقن حسن البنا هذه اللعبة منذ أن حول جماعته إلى طابور تشريفات للملك فاروق يهتفون له (الله مع الملك) فسمح لهم بالتمدد.
في عام 1990م كنت أعمل جراحاً في الجهاد الأفغاني ، وكان يعمل معي كمساعد جراح د/عماد عبد الغفور وهو حالياً مساعد الرئيس المصري الإخواني د/محمد مرسي, ووقتها قال لي د/عماد إن تلاعب حسن البنا بالإسلام بلغ إلى الدرجة التي كتب له الشيخ عبد الرحمن الوكيل ــ رئيس جمعية أنصار السنة ــ رسالة مفتوحة في مجلته بعنوان (يا بَنّا أقم وجهك للدين حنيفا) .
كان البنا يقدم خدماته للملك من ضرب الوفد إلى ضرب الشيوعيين فى مقابل السماح له بالتمدد وتكثير أتباعه بالشعارات الإسلامية التي كانوا ينقضونها ، وينقضون إسلامهم بنصرتهم لحاكم لا يحكم بالإسلام. وإذا كنت تريد الإسلام فلماذا تؤيد ملك لا يحكم بالإسلام ، فإذا أيدته فأنت تريد شيئا آخر غير الإسلام ، ثم ضربهم الملك بحسب قاعدة (مَن أعان ظالماً سلّطه الله عليه).
(تحمُّل الاخوان لجرائم كل الحكومات السابقة)
أيّد الاخوان الملك فتحملوا ذنوب كل جرائمه، ثم أيّدوا جمال عبد الناصر وثورته ضد بقية الأحزاب فتحملوا كل جرائمه ثم ضربهم ، ثم أيّدوا أنور السادات ضد خصومه فتحملوا كل جرائمه ، ثم أيّدوا حسنى مبارك وأعلنوا موافقتهم المسبقة على توريث الحكم لجمال مبارك فتحملوا كل جرائم مبارك الذي يتهمونه الآن بالفساد وهم الذين أيّدوه فقام مبارك بتسمينهم لمحاربة الحركة الجهادية وهذا أقذر مافعلوه على مدى تاريخهم غير النظيف.
(سبب سجن الاخوان طمعهم لا الإسلام)
ليس صحيحا أن الإخوان كانوا معارضين أو أنهم سجنوا بسبب الإسلام ، بل كانوا متاجرين بالإسلام لخداع المغفلين بشعار (الإسلام هو الحل) ونحوه ، وكانوا يعارضون للمشاغبة للحصول على مزيد من المكاسب من النظام فيما عرف بالصفقات. أما سبب سجنهم على مدى تاريخهم فكان الطمع فى مزيد من المكاسب فيقع الصدام مع النظام فيسجنهم ، ولكن فى سجون رجال النظام كسجن مزرعة طره ونحوه ، أما من سُجنوا بسبب الاسلام فكانوا فى سجن العقرب (شديد الحراسة بطره) ونحوه. كانت زوجات الإخوان يُحضرن الطعام الفاخر لأزواجهن فى السجن من الفنادق الفاخرة بالسيارات الفاخرة يومياً ، بينما كان المسلمون فى سجون مبارك تُغلق عليهم الزنازين لأكثر من خمس سنوات متصلة لا يخرجون ولا يرون الشمس، ويلقى لهم أقذر الطعام مع التعذيب والحرمان من العلاج، وكانوا يكحتون جدران الزنازين بأظافرهم ثم يسُفّون الجير لعلاج هشاشة العظام التى أصابتهم، وكانت زوجات بعضهم يأكلن من زبالة سوق الخضار(التالف) ولم يشعر بهم أحد، ولم يساعدهم أحد ، فجاءت العقوبة للجميع.
(ثورة 25يناير)
توحش نظام مبارك وبطش بقطاعات كبيرة من الشعب، فثار الشعب وخَلعه ، ونجح فى تغيير رأس النظام فقط لمّا اتحد ، وكان لابد من تفتيت الكتلة المصرية حتى لا تتمادى فى مطالبها لأبعد من ذلك بما يضر مصالح الحاكم الحقيقى لمصر، وهنا ظهر الاخوان ومعهم أدعياء السلفية للتحالف مع المجلس العسكري لضرب المعارضه الحقيقية ( الثوار ) ولتفتيت الكتلة المصرية وإجهاض الثورة، وهذا فى مقابل مكاسب لهم ، ومن قبل تنحي مبارك إلى إستفتاء19مارس 2011م فما بعد ذلك . فوصفوا الثوار بالبلطجية والأقلية والساقطات ، بالرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) , ولم يسمحوا لهم بأن يتنفسوا نسيم الحرية ولا أن يشموا رائحة العدالة، بل سرق الإخوان شعار(الحرية والعدالة) وجعلوه اسماً لحزبهم الأثيم.
وظهر أثر تسمين 30سنة وسقطت كل الموانع القانونية كحظر الأحزاب والشعارات الدينية ، فافتتحوا المقرات فى كل مكان وأنفقوا الملايين مجهولة المصدر وتاجروا بالشعارات الدينية واجتمعوا بالأمريكان عشرات المرات_ومنذ عام2005م _ وضربوا الثوار وشمتوا فيهم وفى بنات مصر لما قُتلوا وسُحلوا فى التحرير وماسبيرو والعباسية ومحمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها، بل قاموا بتحصين المجلس العسكري المسئول عن تلك الفترة الإنتقالية الإنتقامية.
وبالطبع لم يُقتل أحد من الاخوان ولا أدعياء السلفية ولا سُجنوا ولاعُذبوا ولاسُحلوا، بل عاشوا موسم جَنْي الأرباح، وهم كذلك دائماً (قليلٌ عند الفزع ، كثيرٌ عند الطمع). وكانوا إذا أرادوا المزيد من المكاسب من المجلس العسكري لبسوا قميص الثورة ونزلوا التحرير، ولكن الله سبحانه يمهل ولايهمل ولايغفل عما يعمل الظالمون، ومهما خدعوا الناس واستغفلوهم فلن يخدعوه بل هو خادعهم .
TvQuran
,