أمهات المؤمنين ...ثالثا السيدة عائشة رضى الله عنها (الجزء الثانى )

أمهات المؤمنين ...ثالثا السيدة عائشة رضى الله عنها (الجزء الثانى )


ولم يتزوج صلى الله عليه وسلم من النساء بكراً غيرها ، وهو شرفٌ استأثرت به على سائر نسائه ، وظلّت تفاخر به طيلة حياتها ، وتقول للنبي صلى الله عليه وسلم - :

" يا رسول الله ، أرأيت لو نزلتَ وادياً وفيه شجرةٌ قد أُكِل منها ، ووجدتَ شجراً لم يُؤكل منها ، في أيها كنت ترتع بعيرك ؟ " قال : ( في التي لم يرتع منها ) ، وهي تعني أنه لم يتزوج بكراً غيرها " (رواه البخاري)

وتقول أيضاً : " لقد أُعطيت تسعاً ما أُعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران - ثم قالت - لقد تزوجني رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بكراً ، وما تزوج بكراً غيري "
واحتلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، مكانا خاصا في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عليه الصلاة والسلام يراعى صغر سنها ،فعنها رضى الله عنها قالت :
"كنت ألعبُ بالبنات (اللعب)ِ عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحبُ يلعبْنَ معي، فكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا دخلَ يتَقَمَّعْن منه(يستخفين منه رهبة) فيُسَرِّبُهُن إليَّ فيلْعبْن معي" (البخاري)
وعنها أيضا رضى الله عنها قالت :
" أنَّ النَّبيَّ صلي الله عليه وسلم قالَ لها يومًا : ما هذا ؟ قالَت : بَناتي( لعبي)
قال : ما هذا الَّذي في وسْطِهِنَّ ؟ قالَت : فرس
ٌ قال : ما هذا الَّذي علَيهِ ؟ قالَت جَناحانِ

قال : فرَسٌ لها جَناحانِ ؟ قالَت : أوَ ما سمِعتَ أنَّهُ كانَ لسُلَيمانَ بنَ داودَ خيلٌ لَها أجنِحَةٌ فضحِكَ رسولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم حتَّى بدَت نواجِذُهُ"    (اﻷلباني)

وقد كان عليه الصلاة والسلام يلاطفها ويغدق عليها حبه، فقد قالت :
" رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم ِ يسترُني بردائِهِ ، وأَنا أنظرُ إلى الحبَشةِ يلعَبونَ في المسجِدِ ، حتَّى أَكونَ أَنا أسأمُ ، فاقْدُروا قَدرَ الجاريةِ ، الحديثةِ السن الحريصة على اللهو"       (صحيح النسائي)
وكانت لها مكانتها الخاصة التى لم تكن لسواها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إنّه لم يكن يخفي حبّها عن أحد ، وبلغ من حبّه لها أنه كان يشرب من الموضع الذي تشرب منه ، ويأكل من المكان الذي تأكل منه
وعندما سأله عمرو بن العاص رضي الله عنه : " أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ "
قال له : "عائشة "       (متفق عليه )
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يداعبها ويمازحها ، وربّما سابقها في بعض الغزوات ، فقد قالت رضي الله عنها :
" سابقَني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فسبقتُهُ ، وذلِكَ قبلَ أن أحمِلَ اللَّحمَ ، ثمَّ سابقتُهُ بعدَ ما حملتُ اللَّحمَ فسبقَني ، فقالَ : هذِهِ بتلكَ"       عمدة التفسير


اقرأ أيضا :أمهات المؤمنين ...ثالثا السيدة عائشة رضى الله عنها (الجزء الاول )
وهكذا عاشت السيدة عائشة رضي الله عنها بداية حياتها مع الرسول صلى الله عليه وسلم مستأثرة بحبه وملاطفته لها ، ثم بدات زهرات جديدات يدخلن بيت النبوه وبدات السيدة عائشة رضي الله عنها تكبر وبدأت الغيرة علي رسول الله صلى الله عليه
لقد كان يعلم صلي الله عليه وسلم مدى محبتها له ومدى غيرتها عليه ، وكان يراعى ذلك، ولقد عبّرت هي عن ذلك بقولها له : " وما لي لا يغار مثلي على مثلك ؟ "  رواه مسلم .
فهاهي رضي الله عنها تضع ثيابها عليها وتخرج في أثر الرسول صلى الله عليه وسلم ،حينما وجدته خرج من عندها فجأة ولم يلبث لديها ،ولندعها رضي الله عنها تحكي لنا

" لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظنّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا وانتعل رويدا وفتح الباب فخرج، ثم أجافه رويدا، فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره
حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعتُ، فهرول فهرولتُ، فأحضر فأحضرتُ، فسبقته فدخلت، فليس إلا أن اضطجعت فدخل  فقال: ""مالك يا عائش حشيا رابية؟"
قلت: لا شيء، قال: "لتخبريني أو ليخبرنّي اللطيف الخبير"
قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، فأخبرتُهُ
فقال: "فأنت السواد الذي رأيت أمامي" ؟
قلت: نعم، فلهدني في صدري لهدة أوجعتني
ثم قال:" أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله" ؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله؟ قال: "نعم"
قال: "فإن جبريل أتاني حين رأيتِ، فناداني فأخفاه منك، فأجبته فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعتِ ثيابك، وظننتُ أن قد رقدتِ، فكرهتُ أن أوقظكِ، وخشيت أن تستوحشي، فقال: إن ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم"
قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: "قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون "
رواه مسلم .
لقد خرجت السيدة عائشة رضي الله عنها خلف الرسول صلى الله عليه وسلم، مدفوعة بحرارة الغيرة لتقفو أثره وتعلم خبره ،فوجدته ذهب الى البقيع إلى قبور أصحابه رضى الله عنهم ،ليدعوا لهم ويستغفر لهم ،ويعود فتعود تجري كى لا يدركها وتصل قبله صلي الله عليه وسلم ،وتستلقي علي فراشها ،ويدخل النبي صلى الله عليه وسلم ،وتفضحها أنفاسها المتلاحقة من شدة الجري ،ويحاصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسئلة وتعترف فيدفعها بكفه في صدرها معاتبا لها علي فعلها، ويخبرها بالخبر
وهنا نستوقف عند الرقة المتناهية للرسول صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته ،فقد خشى أن يوقظ السيدة عائشة رضي الله عنها وحرص على الخروج بهدوء ، ونتوقف عند ذكاء أمنا رضي الله عنها فقد حولت الموقف من عتاب إلي سؤال واستفسار عن السنة القولية عند زيارة القبور
وفي يوم من الأيام شعرت بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكث عند السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها مدة أطول مما يمكث عند بقية زوجاته ، وعرفت أنه يمكث عندها لأنه يشرب عندها العسل وكان عليه الصلاة والسلام بحب العسل ،وهاهى رضي الله عنها تروي لنا القصة
كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يشرَبُ عسلًا عِندَ زينبَ بنتِ جحشٍ، ويمكُثُ عِندَها، فواطَيتُ أنا وحفصَةُ على : أيَّتُنا دخَل عليها فلتقُلْ له : أكَلتَ مَغافيرَ، إني أجِدُ منك رِيحَ مَغافيرَ، قال : ( لا، ولكني كنتُ أشرَبُ عسلًا عِندَ زينبَ بنتِ جحشٍ، فلن أعودَ له، وقد حلَفتُ، لا تُخبِري بذلك أحدًا)      البخاري
المغافير: صمغ حلو المذاق كريه الرائحة
وكما كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تغير من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، كن كذلك يغرن منها ،فلقد كان الناس يتحرون اليوم الذي يكون فيه النبي صلى الله عليه وسلم عند السيدة عائشة ،دون سائر الأيام ليقدموا هداياهم وعطاياهم ،وذلك لعلمهم بمكانة عائشة رضي الله عنها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم   (متفق عليه)
ولقد أثار ذلك غيرتهن ،فأرسلن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إبنته السيدة فاطمة رضي الله عنها تكلمه في ذلك ،ولندع السيدة عائشة رضي الله عنها تحكي لنا ماحدث
أرسل أزواجُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فاطمةَ ، بنتِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . فاستأذنت عليه وهو مضطجعٌ معي في مِرْطي . فأذنَ لها
فقالت : يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أزواجك أرسلْنَني إليك يسألْنَكَ العدلَ في ابنةِ أبي قحافةَ ، وأنا ساكتةٌ . قالت :فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:
" أي بنيةِ ! ألستِ تُحبين ما أحبُّ ؟ " فقالت : بلى ، قال :" فأحبِّي هذه "
قالت :فقامت فاطمةُ حين سمعت ذلك من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ . فرجعت إلى أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأخبرتهُنَ بالذي قالت ، وبالذي قال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقلن لها : ما نراكِ أغنيْتِ عنا من شيٍء
فارجعي إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقولي له : إنَّ أزواجكَ ينشدْنُكَ العدلَ في ابنةِ أبي قحافةَ
فقالت فاطمةُ : واللهِ ! لا أُكلِّمُه فيها أبدًا
قالت عائشة رضي الله عنها ُ : فأرسل أزواجُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ زينبَ بنتَ جحشٍ ، زوجُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، وهي التي كانت تُساميني منهن في المنزلةِ عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، ولم أرَ امرأةً قط خيرًا في الدِّينِ من زينبَ . وأتْقَى للهِ . وأصدقَ حديثًا . وأوصلَ للرحمِ . وأعظمَ صدقةً . وأشدَّ ابتذالًا لنفسها في العملِ الذي تصدق به ، وتقرب به إلى اللهِ تعالى . ما عدا سَوْرَةً من حِدَّةٍ كانت فيها . تسرعُ منها الفيئة
قالت ، فاستأذنتْ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مع عائشةَ في مِرْطها . على الحالةِ التي دخلت فاطمةُ عليها وهو بها ، فأذن لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ
فقالت : يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أزواجك أرسلنني إليك يسألْنَكَ العدلَ في ابنةِ أبي قحافةَ ، قالت ثم وقعت بي ، فاستطالت عليَّ
وأنا أرقبُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، وأرقب طرفَه ، هل يأذنُ لي فيها ،قالت : فلم تبرح زينبُ حتى عرفتُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا يكرَه أن أنتصرَ ،قالت فلما وقعتُ بها لم أنشأها حين أنحيتُ عليها ( أي أثخنتها وغلبتها)
قالت: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وتبسم :" إنها ابنةُ أبي بكرٍ " (مسلم)

شارك برأيك

مرحبا بالاصدقاء الاعزاء
يسعدنى زيارتكم وارجو التواصل دائما
Hello dear "friends
I am glad your visit and I hope always to communicate

TvQuran
,