ثامنا: بناء السفينة
أصدر الله تعالى حكمه على الكافرين بالطوفان وأخبر الله تعالى عبده نوحا أنه سيصنع سفينة(بِأَعْيُنِنَاوَوَحْيِنَا) أي بعلم الله وتعليمه، وعلى مرأىمنه وطبقا لتوجيهاته ومساعدة
الملائكة وأصدر الله تعالى أمره إلى نوح: (وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ)
يغرق الله الذين ظلموا مهما كانت أهميتهم أو قرابتهم للنبي، وينهى الله نبيه أن يخاطبه
أو يتوسط لهم وبدأ نوح يغرس الشجر ويزرعه ليصنع منه السفينة،انتظر سنوات، ثم قطع ما زرعه، وبدأ نجارته. كانت سفينة عظيمة الطول والارتفاع والمتانة،
بدأ نوح يبني السفينة، ويمر عليه الكفار فيرونه منهمكا في صنع السفينة،والجفاف سائد،
وليست هناك أنهار قريبة أو بحار. كيف ستجري هذه السفينة إذن يا نوح،هل ستجري على الأرض أين الماء الذي يمكن أن تسبح فيه سفينتك؟ لقد جن نوح، وترتفع ضحكات الكافرين وتزداد سخريتهم من نوح وكانوا يسخرون منه قائلين: صرت نجارا بعد أن كنت نبيا! إن قمة الصراع في قصة نوح تتجلى في هذه المساحة الزمنية،
إن الباطل يسخر من الحق يضحك عليه طويلا، متصورا أن الدنيا ملكه،وأن الأمن نصيب وان العذاب غير واقع
غير ان هذا كله مؤقت بموعد حلول الطوفان ،عندئذ يسخر المؤمنون من الكافرين وتكون سخريتهم هي الحق
تاسعا:التنور والصعود للسفينة
انتهى صنع السفينة، وجلس نوح ينتظر أمر الله، أوحى الله إلى نوح أنه إذا فار التنور هذا علامة على بدء الطوفان وقيل في تفسير التنور أنه بركان في المنطقة،وقيل أن الفرن
الكائن في بيت نوح،إذا خرج منه الماء وفار كان هذا أمرا لنوح بالحركة
وجاء اليوم الرهيب، فار التنور، وأسرع نوح يفتح سفينته ويدعو المؤمنين به،وهبط جبريل عليه السلام إلى الأرض
حمل نوح إلى السفينة من كل حيوان وطير ووحش زوجين اثنين،بقرا وثورا،فيلا وفيلة،
عصفورا وعصفور، نمرا ونمرة، إلى آخر المخلوقات
كان نوح قد صنع أقفاصا للوحوش وهو يصنع السفينة وساق جبريل عليه السلام أمامه من كل زوجين اثنين،لضمان بقاء نوع الحيوان والطير على الأرض، وهذا معناه أن الطوفان أغرق الأرض كلها،فلولا ذلك ما كان هناك معنى لحمل هذه الأنواع من
الحيوان والطير.
وبدأ صعود السفينة،صعدت الحيوانات والوحوش والطيور، وصعد من آمن بنوح، وكان عدد المؤمنين قليلا. ولم تكن زوجة نوح مؤمنة به فلم تصعد، وكان أحد أبنائه يخفي
كفره ويبدي الإيمان أمام نوح، فلم يصعد هو الآخر. وكانت أغلبية الناس غيرمؤمنة هي الأخرى، فلم تصعد.
وصعد المؤمنون، قال ابنعباس، رضي الله عنهما: آمن من قوم نوح ثمانون إنسانا.
عاشرا: الطوفان وحوار نوح مع ابنه
وصعد المؤمنون. قال ابن عباس، رضي الله عنهما: آمن من قوم نوح ثمانون إنسانا.
ارتفعت المياه من فتحات الأرض،انهمرت من السماء أمطاراغزيرة بكميات لم تر مثلها الأرض، فالتقت أمطار السماء بمياه الأرض،وصارت ترتفع ساعة بعد ساعة،فقدت البحار هدوئها،وانفجرت أمواجها تجورعلى اليابسة، وتكتسح الأرض،وغرقت الكرة الأرضية للمرة الأولى في المياه.
ارتفعت المياه أعلى منالناس، تجاوزت قمم الأشجار، وقمم الجبال،وغطت سطح الأرض كله وفي بداية الطوفان نادى نوح ابنه،كان ابنه يقف بمعزل منهويحكي لنا المولى عز وجل الحوار القصير الذي دار بين نوحعليه السلام وابنه قبل أن يحول
بينهما الموج فجأة. نادى نوح ابنه قائلا:{ يَا بُنَيَّارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِين}
ورد الابن عليه: { قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء}
عاد نوح يخاطبه:{قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِم َ}
وانتهى الحوار بين نوح وابنه:{وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانمِنَ الْمُغْرَقِينَ}
انظر إلى تعبير القرآن (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ) أنهى الموج حوارهما فجأة، نظر نوح فلم يجد ابنه،لم يجد غيرجبال الموج التي ترتفع وترفع معها السفينة، وتفقدها رؤية كل شيء
غير المياه. وشاءت رحمة الله أن يغرق الابن بعيدا عن عين الأب، رحمة منه بالأب،
واعتقد نوح أن ابنه مؤمن تصور أن الجبل سيعصمه من الماء فغرق
اقرأ أيضا:قصص الأنبياء ..النبي نوح عليه السلام (الجزء الأول )
الحادي عشر: نهاية الطوفان
واستمر الطوفان، استمريحمل سفينة نوح، بعد ساعات من بدايته،كانت كل عين تطرف على الأرض قد هلكت غرقا،لم يعد باقيا من الحياة والأحياء غير هذا الجزء الخشبي
من سفينة نوح، وهو ينطوي على الخلاصة المؤمنة من أهل الأرض،وأنواع الحيوانات والطيور التي اختيرت بعناية، ومن الصعب اليوم تصورهول الطوفان أو عظمته،كان شيئا مروعا يدل على قدرة الخالق، كانت السفينة تجري بهم في موج كالجبال، ويعتقد بعض العلماء الجيولوجيا اليوم:: إن انفصال القارات وتشكل الأرض في صورتها الحالية، قد وقعا نتيجة طوفان قديم جبار ثارت فيه المياه ثورة غيرمفهومة،حتى غطت سطح الجزء اليابس من الأرض، وارتفعت فيه قيعان المحيطات ووقع فيه ما
نستطيع تسميته بالثورة الجغرافية استمر طوفان نوح زمنا لا نعرف مقداره ثم صدر الأمر الإلهي إلى السماء أن تكف عن الإمطار، وإلىالأرض أن تستقر وتبتلع الماء،وإلى أخشاب السفينة أن ترسوعلى الجودي، الجودي :وهو اسم مكان قديم يقال أنه جبل في العراق، طهر الطوفان الأرض وغسلها، قال تعالى في سورة هود:{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِين}َ (44 هود)
(وَغِيضَ الْمَاء) بمعنى نقص الماء وانصرف عائدا إلى فتحات الأرض،( وَقُضِيَ الأَمْرُ )بمعنى أنه أحكم وفرغ منه، يعني هلك الكافرون من قوم نوح تماما. ويقال أن الله أعقم أرحامهم أربعين سنة قبل الطوفان،فلم يكن فيمن هلك طفل أو صغير.
(وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) بمعنى رست عليه،وقيل كان ذلك يوم عاشوراء، فصامه نوح، وأمرمن معه بصيامه. (وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي هلاكا لهم.
الثاني عشر والأخير :نجاة المؤمنين وهلاك الكافرين
طهر الطوفان الأرض من الكافرين وغسلها،ذهب الهول بذهاب الطوفان، وانتقل الصراع من الموج إلى نفس نوح، تذكر ابنه الذي غرق. لم يكن نوح يعرف حتى
هذه اللحظة أن ابنه كافر، كان يتصورأنه مؤمن عنيد، آثر النجاة باللجوء إلى جبل
وكان الموج قد أنهى حوارهما قبل أن يتم، فلم يعرف نوح حظ ابنه من الإيمان،تحركت في قلب الاب عواطف الأبوة ،قال تعالى في سورة هود {ونادى نوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}
أراد نوح أن يقول لله أن ابنه من أهله المؤمنين، وقد وعده الله بنجاة أهله المؤمنين
قال الله سبحانه وتعالى، مطلعا نوحا على حقيقة ابنه للمرة
الأولى: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }
قال القرطبي كان ابنه عنده( أي نوح ) مؤمنا في ظنه،ولم يك نوح يقول لربه:(إِنَّ ابُنِي
مِنْ أَهْلِي) إلا وذلك عنده كذلك، إذ محال أن يسأل هلاك الكفار،ثم يسأل في إنجاء بعضهم، وكان ابنه يسرّ الكفر ويظهر الإيمان فأخبر الله تعالى نوحا بما هو منفرد به من علم الغيوب أي علمت من حال ابنك ما لم تعلمه أنت وكان الله حين يعظه أن يكون من الجاهلين، يريد أن يبرئه من تصور أن يكون ابنه مؤمنا، ثم يهلك مع الكافرين.وثمة درس مهم تنطويعليه الآيات الكريمة التي تحكي قصة نوح وابنه،
أراد الله سبحانه وتعالىأن يقول لنبيه الكريم أن ابنه ليس من أهله، -لأنه لم يؤمن بالله،
وليس الدم هو الصلة الحقيقية بين الناس،ابن النبي هوابنه في العقيدة،هو من يتبع الله
والنبي، وليس ابنه من يكفر به ولو كان من صلبه،هنا ينبغي أن يتبرأ المؤمن من غير المؤمن وهنا أيضا ينبغي أن تتصل بين المؤمنين صلات العقيدة فحسب لا اعتبارات
الدم أو الجنس أو اللون واستغفر نوح ربه وتاب إليه ورحمه الله،وأمره أن يهبط
من السفينة محاطا ببركة الله ورعايته.
وهبط نوح من سفينته أطلق سراح الطيور والوحش فتفرقت في الأرض،ونزل المؤمنون
بعد ذلك