السيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها :ِ هي أم المؤمنين السيدة رَملَه بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشية الأموية رضي الله عنها ،ولدت قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو سبعة عشر عامًا ، أمها صفية بنت أبي العاص بن أمية ،وأخوها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كاتب وحى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد كانت تكنى أم حبيبة ، نسبة إلى ابنتها
نشأت رضي الله عنها في نعمة وغذيت ، فأبوها : أبو سفيان بن حرب كان يشغل المقام الرفيع في قومه في الجاهلية فهو عريض الجاه وافر الثراء سابغ النعمة ، ولما بلغت رضي الله عنها سن الزواج تزوجت عبيد الله بن جحش من بني أسد بن خزيمة وهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم : أميمه بنت عبد المطلب ،وأخو أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها
وكان عبيد الله بن جحش قد اجتمع سرًا مع ثلاثة نفر هم : ورقة بن نوفل وعثمان بن الحويرث وزيد ابن عمرو ابن نفيل فقالوا : - بعد ان تعاهدوا على أن يكتم بعضهم سر الآخر – تعلموا والله ما قومكم على شيء !! لقد اخطئوا دين أبيهم إبراهيم !! ما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر ؟!.. يا قوم التمسوا لأنفسكم دينًا فإنكم ما انتم على شيء. ثم تفرقوا جميعًا في البلدان يلتمسون الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام .
وعاد عبيد الله بن جحش إلى مكة وقد اتبع دين النصرانية حتى بعث الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام ، فسارع عبيد الله وزوجته رمله بنت أبي سفيان رضي الله عنها إلى اتباعه وكانوا ممن أسلم مبكرا في مكة
وعاشت هي وزوجها تلك التجربة القاسية التى لاقاها المؤمنين في بدايات الدعوة إلى الإسلام واحتملت في سبيل دينها المتاعب والأهوال ، فقد آمنت رضي الله عنها على الرغم من كفران أبيها سيد مكة المطاع وزعيمها الذي تدين له بالطاعة والولاء .
ولم يستطع أبو سفيان بكل ما أوتي من بأس وقوة أن يثني أبنته عن عزمها ، و ثبتت رضي الله عنها على دينها ، و لما ضاق الخناق عليها وعلى زوجها وخشيت رضي الله عنها بطش أبيها وأذاه هاجرت فرارًا بدينها مع زوجها عبيد الله بن جحش في الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة وكانت مثقلة بحملها وتركت أباها وقد عظم غيظه أن اسلمت أبنته وليس له إليها سبيل !
وفي أرض الحبشة استقر الزوجان ووضعت رمله رضي الله عنها ابنتها حبيبه فصارت تدعى أم حبيبة .
بينما كانت ام حبيبة رضي الله عنها تعاني الآم الغربة والوحشة من أجل ربها ودينها وتكتم حنينها وشوقها إلى الوطن والأهل والأحباب وتحاول أن تجد في زوجها عوضًا عما فارقت من أهل وعشيرة ، امتُحِنت ام حبيبة رضي الله عنها امتحانًا شديدًا في ايمانها !!
فقد استيقظت رضي الله عنها ذات ليلة من نومها فزعة مذعورة !! .. وتقص رؤيتها فتقول : "رأيت في النوم عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة وأشوهها .. ففزعت وقلت : تغيرت والله حالة !! فإذا هو يقول حين أصبح : - يا أم حبيبة إني نظرت في الدين فلم أرى دينًا خيرًا من النصرانية وكنت قد دنت بها ثم أسلمت و دخلت في دين محمد ، ولكني الآن أرجع إلى النصرانية .
ففزعت رضي الله عنها من قوله وحاولت أن تثنيه ضلاله وتعيد إليه رشده فقالت له ناصحة : والله ما هو خير لك ، وأخبرته بالرؤيا التي رأتها له ، فلم يحفل عبيد الله بن جحش بنصيحة زوجته وأكب على الخمر وكان يمر بالمهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: فتحنا أعيننا فأبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد !!
وظل عبيد الله بن جحش على تلك الحالة من الضلال المبين حتى مات نصرانيًا بأرض الحبشة .
اقرأ أيضا :السيرة النبوية الشريفة : سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (الحلقة السابعة والعشرون )
ثبتت رضي الله عنها على الإسلام ،ثبتت رغم كفر أبيها وتنصر زوجها ،ثبتت لما أراد الله بها من الخير ،ولما أعد لها من الخير في الدنيا والآخرة
و هاهي رضي الله عنها تحكى ما أصابها ، فتقول :"لما تنصر عبيد الله وتوفى على النصرانية أصابني من ذلك همٌّ وغمٌّ عظيمين ، إلى أن رأيت فيما يرى النائم من يناديني قائلاً : "يا أم المؤمنين " ، فأوّلتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني ، فما هو إلا أن انقضت عدّتي ، حتى أتاني رسول النجاشي يستأذن الدخول عليّ ، فإذا هي جاريةٌ له يقال لها أبرهة ، كانت تقوم على ثيابه ودهنه
فدخلتْ عليّ فقالت : إن الملك يقول لك : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليّ أن أزوجك إيّاه ، ففرحت وقلت : "بشّرك الله بخير " ، فقالت لي : يقول لك الملك وكّلي من يزوّجك ، فأرسلت إلى خالد بن سعيد ابن العاص رضي الله عنه فوكّلته ، وأعطيتُ الجارية ما عندي من حليٍّ وجواهر مكافأةً لها على ما بشّرتني به .
فلما كان العشي أمر النجاشي بحضور جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من المسلمين ، فخطب النجاشي فقال : الحمد لله الملك القدوس السلام ، المؤمن المهيمن العزيز الجبار ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأنّه الذي بشر به عيسى بن مريم عليه السلام ، أما بعد : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليّ أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فأجبته إلى ما دعا إليه ، وقد أصدقتها أربعمائة دينار . ثم سكب الدنانير بين يدي القوم
فتكلم خالد بن سعيد رضي الله عنه فقال : الحمد لله أحمده وأستعينه وأستنصره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، أما بعد : فقد أجبتُ إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزوّجته أم حبيبة ابنة أبي سفيان ، فبارك الله لرسوله . ثم قام ودفع إليّ الدنانير ، ثم أرادوا أن يقوموا ، فقال لهم النجاشي : اجلسوا ؛ فإنّ سنّة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعامٌ على الزواج ، فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا ".

