الأمر بذبح إسماعيل عليه السلام:
كبر إسماعيل،وتعلق به قلب إبراهيم،جاءه العقب على كبر فأحبه. وابتلى الله إبراهيم
بلاء عظيما بسبب هذا الحب، فقد رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ابنه الوحيد
إسماعيل.
وإبراهيم عليه السلام يعلم أن رؤيا الأنبياء وحي.
انظر كيف يختبر الله عباده، تأمل أي نوع من أنواع الاختبار. نحن أمام نبي قلبه أرحم
قلب في الأرض، اتسع قلبه لحب الله وحب من خلق. جاءه ابن على كبر،وقد طعن هو في السن ولا أمل هناك في أن ينجب. ثم ها هو ذا يستسلم للنوم فيرى في المنام أنه يذبح ابنه
وبكره ووحيده الذي ليس له غيره. أي نوع من الصراع نشب في نفسه ، يخطئ من يظن أن صراعا لم ينشأ قط،لا يكون بلاء مبينا هذا الموقف الذي يخلو من الصراع.
نشب الصراع في نفس إبراهيم،صراع أثارته عاطفة الأبوة الحانية.
لكن إبراهيم لم يسأل عن السبب وراء ذبح ابنه،فليس إبراهيم من يسأل ربه عن أوامره.
فكر إبراهيم في ولده ماذا يقول عنه إذا أرقده على الأرض ليذبحه.
الأفضل أن يقول لولده ليكون ذلك أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قهرا ويذبحه
قهرا، هذا أفضل..
انتهى الأمر وذهب إلى ولده (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى).
انظر إلى تلطفه في إبلاغ ولده،وترك الأمر لينظر فيه الابن بالطاعة..
إن الأمر مقضي في نظرإبراهيم لأنه وحي من ربه، فماذا يرى الابن الكريم في ذلك
أجاب إسماعيل:هذا أمر يا أبي فبادر بتنفيذه (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).
تأمل رد الابن، إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمرالإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده(إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).
هو الصبر على أي حال وعلى كل حال، وربما استعذب الابن أن يموت ذبحا بأمر من الله..
ها هو ذا إبراهيم يكتشف أن ابنه ينافسه في حب الله، لا نعرف أي مشاعر جاشت في نفس إبراهيم بعد استسلام ابنه الصابر.
ينقلنا الحق نقلة خاطفة فإذا إسماعيل راقد على الأرض، وجهه في الأرض رحمة به كيلا
يرى نفسه وهو يذبح. وإذا إبراهيم يرفع يده بالسكين،وإذا أمر الله مطاع.
(فَلَمَّا أَسْلَمَا) استخدم القرآن هذا التعبير(فَلَمَّا أَسْلَمَا) هذا هو الإسلام الحقيقي،تعطي كل شيء فلا يتبقى منك شيء. عندئذ فقط،وفي اللحظة التي كان السكين فيهايتهيأ لإمضاء
أمره.
نادى الله إبراهيم،انتهى اختباره،وفدى الله إسماعيل بذبح عظيم - وصار اليوم عيدا لقوم
لم يولدوا بعد،هم المسلمون،صارت هذه اللحظات عيدا للمسلمين. عيدا يذكرهم بمعنى
الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل.
ومضت قصة إبراهيم ترك ولده إسماعيل وعاد يضرب في أرض الله داعيا إليه،خليلا له
وحده. ومرت الأيام،كان إبراهيم قد هاجر من أرض الكلدانيين مسقط رأسه في العراق وعبر الأردن وسكن في أرض كنعان في البادية.
ولم يكن إبراهيم ينسى خلال دعوته إلى الله أن يسأل عن أخبار لوط مع قومه، وكان لوط أول من آمن به، وقد أثابه الله بأن بعثه نبيا إلى قوم من الفاجرين العصاة
ضيوف ابراهيم (3 من الملائكة)
كان إبراهيم جالس لوحده في هذه اللحظة،هبطت علىالأرض أقدام ثلاثة من الملائكة:
❶ - جبريل عليه السلام
❷- وإسرافيل عليه السلام
❸ -وميكائيل عليه السلام
يتشكلون في صور بشرية من الجمال الخارق.ساروا صامتين، مهمتهم
❶-|المرور على إبراهيم وتبشيره
❷-|ثم زيارة قوم لوط ووضع حد لجرائمهم.
سار الملائكة الثلاثة قليلا ألقى أحدهم حصاة أمام إبراهيم، رفع إبراهيم رأسه،تأمل وجوههم،لا يعرف أحدا فيهم.
بادروا الملائكة بالتحية قالوا: سلاما
-قال ابراهيم : سلام.
نهض إبراهيم ورحب بهم أدخلهم بيته وهو يظن أنهم ضيوف وغرباء. أجلسهم واطمأن أنهم قد اطمأنوا، ثم استأذن وخرج، راغ إلى أهله.
نهضت زوجته سارة حين دخل عليها،كانت عجوزا قد ابيضشعرها ولم يعد يتوهج بالشباب فيها غير وميض الإيمان الذي يطل من عينيها.
قال إبراهيم لزوجته: زارنا ثلاثة غرباء، سألته السيدة
سارة:من يكونون
قال: لا أعرف أحدا فيهم وجوه غريبة على المكان، لاريب أنهم من مكان بعيد، غير أن
ملابسهم لا تشي بالسفر الطويل.
قال النبي إبراهيم أي طعام جاهز لدينا؟
-قالت زوجته :نصف شاة.
قال وهو يهم بالانصراف:نصف شاة، اذبحي لهم عجلا سمينا هم ضيوف وغرباء ليست
معهم دواب أو أحمال أو طعام ربما كانوا جوعى وربما كانوا فقراء
اختار إبراهيم عجلا سمينا وأمر بذبحه، فذكروا عليه اسم الله وذبحوه، وبدأ شواء العجل على الحجارة الساخنة،وأعدت المائدة.
ودعا إبراهيم ضيوفه إلى الطعام،أشار إبراهيم بيده أن يتفضلوا باسم الله، وبدأ هو يأكل
ليشجعهم. كان إبراهيم كريما يعرف أن الله لا يتخلى عن الكرماء وربما لم يكن في بيته غير هذا العجل،
ضيوف ابراهيم ثلاثة نصف شاة يكفيهم ويزيد،غير أنه كان سيدا عظيم الكرم.
خوف النبي ابراهيم عليه السلام
راح إبراهيم يأكل ثم استرق النظر إلى ضيوفه ليطمئن أنهم يأكلون.
لاحظ أن أحدا لا يمد يده إلى الطعام، قرب إليهم الطعام وقال : ألا تأكلون
عاد إلى طعامه ثم اختلس إليهم نظرة فوجدهم لا يأكلون.
رأى أيديهم لا تصل إلى الطعام عندئذ (أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) في تقاليد البادية التي عاش فيها إبراهيم، كان معنى امتناع الضيوف عن الأكل أنهم يقصدون شرا بصاحب البيت.
ولاحظ إبراهيم بينه وبين نفسه أكثر من ملاحظة تؤيد غرابة ضيوفه.
✺-لاحظ أنهم دخلوا عليه فجأة لم يرهم إلا وهم عند رأسه.
✺لم يكن معهم دواب تحملهم، لم تكن معهم أحمال.
✺ وجوههم غريبة تماما عليه.
✺كانوا مسافرين وليس عليهم أثر لتراب السفر.
✺ثم هاهو ذا يدعوهم إلى طعامه فيجلسون إلى المائدة ولا يأكلون.وازداد خوف إبراهيم.
كان الملائكة يقرءون أفكاره التي تدور في نفسه،دون أن يشي بها وجهه.
قال له أحد الملائكة:(لاَ تَخَفْ).
رفع إبراهيم رأسه وقال بصدق وبراءة: اعترف إنني خائف.
لقد دعوتكم إلى الطعام ورحبت بكم، ولكنكم لا تمدون أيديكم إليه،هل تنوون بي شرا؟
ابتسم أحد الملائكة وقال: نحن لا نأكل يا إبراهيم نحن ملائكة الله،وقد(أُرْسِلْنَا إِلَىقَوْمِ لُوطٍ)
اقرأ أيضا :من قصص الأنبياء ...قصة النبي إبراهيم عليه السلام (الجزء الثالث )
تبشير ابراهيم وساره ب إسحاق ويعقوب عليهم السلام
ضحكت زوجة إبراهيم كانت قائمة تتابع الحوار بين زوجها وبينهم، التفت إليها أحد الملائكة وبشرها بإسحاق.
صكت العجوز وجهها تعجبا{قَالَت يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا
لَشَيْءٌ عَجِيب} (هود)
عاد أحد الملائكة يقول لها:{وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ}
جاشت المشاعر في قلب إبراهيم وزوجته، انسحب خوف إبراهيم واحتل قلبه نوع من أنواع الفرح الغريب المختلط.
كانت زوجته العاقر تقف هي الأخرى وهي ترتجف،إن بشارة الملائكة تهز روحها هزا عميقا. إنها عجوز عقيم وزوجها شيخ كبير،كيف ؟كيف يمكن ؟
وسط هذا الجو الندي المضطرب تساءل إبراهيم:{أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ
فَبِمَ تُبَشِّرُون}َ (الحجر)
أكان النبي ابراهيم يريد أن يسمع البشارة مرة أخرى أكان يريد أن يطمئن قلبه ويسمع
للمرة الثانية منة الله عليه
أكان ما بنفسه شعورا بشريا يريد أن يستوثقويهتزبالفرح مرتين بدلا من مرة واحدة
أكد له الملائكة أنهم بشروه بالحق{قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ } (الحجر)
{قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبهِ إِلاَّ الضَّآلُّون}َ (الحجر)
لم يفهم الملائكة إحساسه البشري، فنوه عن أن يكون من القانطين،وأفهمهم أنه ليس قانطا
إنما هو الفرح. لم تكن البشرى شيئا بسيطا في حياة إبراهيم وزوجته.
لم يكن لإبراهيم غير ولد واحد،هو إسماعيل،تركه هناك بعيدا في الجزيرة العربية.
ولم تكن زوجته سارة قد أنجبت خلال عشرتها الطويلة لإبراهيم، وهي التي زوجته من
جاريتها هاجر ومن هاجر جاء إسماعيل.
أما سارة،فلم يكن لها ولد وكان حنينها إلى الولد عظيما، لم يطفئ مرور الأيام من توهجه.
ثم دخلت شيخوختها واحتضر حلمها ومات،كانت تقول: إنها مشيئة الله عز وجل.هكذا أراد الله لها،وهكذا أراد لزوجها، ثم ها هي ذي في مغيب العمر تتلقى البشارة،ستلد
غلاما.
ليس هذا فحسب،بشرتها الملائكة بأن ابنها سيكون له ولد تشهد مولده وتشهد حياته.
لقد صبرت طويلا ثم يئست ثم نسيت،ثم يجيء جزاء الله مفاجأة تمحو هذا كله في
لحظة.
فاضت دموعها وهي تقف وأحس إبراهيم عليه الصلاة والسلام بإحساس محير.
جاشت نفسه بمشاعر الرحمة والقرب،وعاد يحس بأنه إزاء نعمة لا يعرف كيف يوفيها
حقها من الشكر. وخرّ إبراهيم ساجدا على وجهه.
هلاك الكافرين
انتهى الأمر واستقرت البشرى في ذهني النبي ابراهيم وزوجته معا،ونهض إبراهيم من
سجوده وقد ذهب عنه خوفه، اطمأنت حيرته، وغادره الروع، وسكنت قلبه البشرى التي
حملوها إليه.
وتذكر ابراهيم أن الملائكة أرسلوا إلى قوم لوط، ولوط ابن أخيه النازح معه من مسقط رأسه، والساكن على مقربة منه.
وإبراهيم يعرف معنى إرسال الملائكة إلى لوط وقومه. هذا معناه وقوع عذاب مروع.
وطبيعة إبراهيم الرحيمة الودودة لا تجعله يطيق هلاك قوم في تسليم. ربما رجع قوم لوط
وأقلعوا وأسلموا أجابوا رسولهم.
وبدأ إبراهيم يجادل الملائكة في قوم لوط،حدثهم عن احتمال إيمانهم
قالت الملائكة أن هؤلاء قوم مجرمون،وأن مهمتهم هي إرسال حجارة من طين مسومة
من عند ربك للمسرفين.
وعاد إبراهيم، بعد أن سد الملائكة باب هذا الحوار، عاديحدثهم عن المؤمنين من قوم
لوط. فقالت الملائكة: نحن أعلم بمن فيها،ثم أفهموه أن الأمرقد قضي.
وإن مشيئة الله تبارك وتعالى قد اقتضت نفاذ الأمر وهلاك قوم لوط.
أفهموا إبراهيم أن عليه أن يعرض عن هذا الحوار، ليوفرحلمه ورحمته. لقد جاء أمر ربه،وتقررعليهم(عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ)عذاب
لن يرده جدال إبراهيم. كانت كلمة الملائكة إيذانا بنهاية الجدال، سكت إبراهيم وتوجهت الملائكة لقوم لوط عليه السلام