في العاشر من رمضان من السنة الثامنة للهجرة وقع أعظم فتح في الإسلام فتح مكة ، وكان يوماً مشهوداً ، أعز الله به دينه ورسوله .
وكان سبب هذا الفتح العظيم هو غدر بَني بكر وقريش لخزاعة التي دخلت في حلف النبي يوم الحُديبية ، فقتلوا منهم ٢٠ رجلا.
فخرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على النبي المدينة ، فوقف عليه وهو في المسجد ، وأخبره خبر الغدر كاملاً، فقال رسول الله : ” نُصِرْت ياعمرو بن سالم “.
خافت قريش من هذا الغدر ، وأرسلت أبا سفيان ليُجدد الصُلح مع رسول الله ، فلم يخرج منه بشيء ، ورجع أبوسفيان خائباً .
تهيأ رسول الله للفتح العظيم ، وسأل ربه أن يُعْمي عن قريش خبره ، فقال : ” اللهم خُذ العيون والأخبار عن قريش “، وأمر رسول الله أصحابه بالخروج ، كما أرسل إلى كل القبائل المسلمة أن يَتجهزوا للخروج معه .
تجمع للنبي ١٠ آلاف ، وهو أكبر جيش يتجمع للمسلمين من بعثته ، وكان خروجه من المدينة يوم ١٠ رمضان من السنة الثامنة للهجرة.
في طريقه إلى مكة لقيه ابن عمه أبوسفيان بن الحارث ، وابن عمته عبدالله بن أبي أمية بن المغيرة مسلمين .
واصل النبي طريقه إلى مكة وهو صائم ، والناس معه صيام ، وقد صَبَّ رسول الله الماء على رأسه ووجهه من شدة العطش .
فلما بلغ رسول الله الكَديدَ وهو ماء بين عُسْفَان وقُديد ، قال لأصحابه :” إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم “.
فأفطر رسول الله ، وأفطر الناس ، فكانت رُخْصَة ، ثم دعا رسول الله بإناء ، فشرب نهاراً ليراه الناس .
ولما بلغ رسول الله الجُحْفَة لقيه عمه العباس بن عبدالمطلب مُهاجرا بأهله وعياله إلى المدينة ، ففرح به النبي .
وما كان العباس رضي الله عنه يعلم بقدوم جيش المسلمين ، وهو آخر من هاجر إلى المدينة ، لأن بعده فُتحت مكة وانقطعت الهجرة.
قال رسول الله : ” لا هجرة بعد الفتح – أي فتح مكة – “.والمقصود بالهجرة في الحديث الهجرة الخاصة من مكة إلى المدينة .
حديث ” ياعم اطمئن فإنك خاتم المهاجرين في الهجرة كما أنا خاتم النَّبيِّين في النُّبوة “ رواه أحمد بإسناد ضعيف جداً.
اقرأ أيضا :أمهات المؤمنين....السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها (الحلقة الأولى )
أكمل رسول الله طريقه إلى مكة ، فلما وصل إلى منطقة الظهران عشاءً ، أمر أصحابه بإيقاد النيران ، فأوقدوا النار .
وكان الله سبحانه قد أخذ العُيُون عن قريش ، فانقطعت أخبار النبي عنهم تماماً ، ولا يَدرون ما سيفعل النبي بغدرهم .
فخرج أبو سفيان ، وحكيم بن حِزام ، وبُديل بن وَرقاء رضي الله عنهم – وكلهم أسلم بعد الفتح – يبحثون عن الأخبار .
فخرجوا من مكة ، حتى أتوا مَر الظهران ، وإذا بهم يرون نيران كثيرة – ١٠ آلاف مقاتل – ففزعوا منها فزعاً شديداً .
في هذه الفترة كان العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه يبحث عن أحد يُخبر قريشا بأمر النبي ، حتى تَستسلم قريش ولا تُقاتل.
فرأى العباس أبا سفيان سيد مكة ومعه حكيم بن حزام وبُديل بن ورقاء ، فأقنع العباس أبا سفيان بالاستسلام وأن لا تُقاتل قريش.
فلما رأى أبوسفيان حجم جيش النبي ١٠ آلاف مُقاتل ، عَلِمَ أنه لا طاقة له بقتال النبي ، ووافق على الاستسلام .
فذهب العباس بأبي سفيان إلى النبي ، فلما دخل أبو سفيان على النبي ، دعاه النبي إلى الإسلام فأسلم.
ثم قال النبي لأبي سفيان : ” مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومَن دخل المسجد فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن “.
ثم انطلق أبو سفيان الى أهل مكة ، وأخبرهم خبر النبي ، وأنه لا طاقة لأحد به ، وأنه لا نَجاة لأحد يَخرج مِن بيته .
هنا أمر النبي بالتحرك لدخول مكة ، وقال لأصحابه : ” لا تُقاتلوا إلا من قاتلكم ، ونَهاهم عن قَتْل النساء والصبيان “.
ثم دخل النبي مكة من أعلاها من كَدَاء في كتيبته الخضراء وذلك يوم الجمعة ١٩ رمضان من السنة الثامنة للهجرة، وكان يوماً مشهوداً.

